صفقة القرن مع قرون لا تمر / فؤاد البطاينة

الرحيل من فلسطين هو الحل.. تطوير الصهيونية لحجتها بفلسطين من مدنية الى دينية فشل على فشل؟ صفقة القرن مع قرون لا تمر.. والشعب لا يكسره التجويع بل يصحيه
لا تقديس المكان ولا الإقامة فيه يقيم حقا للسيادة عليه، حتى لو كان التقديس والاقامة حقيقيين، هذ الثابت في القانون الدولي وفي والمفهوم الدولي هو مأزق المحتل الصهيوني الذي لا مخرج منه سوى الرحيل، ولا يستطيع خونة الأمة مساعدته فيه، مأزق حقيقية كانت واردة في ذهنية رواد الاحتلال أو الاستعمار الصهيوني الإحلالي، وما زالت واردة في ذهنية المهوسين بيهوة وعصابات المافيا الروس في فلسطين مخرجة بالرحيل، والمسألة مسألة وقت لصحوة هي قادمة بحكم منطق الأشياء والتاريخ.
فما كان هناك سبب للتفكير والقدرة على الاحتلال سوى ضعف الأخر، والقوي لا يغزو إلا ضعيفا، وليس هناك بعد استراتيجي صهيوني في الركون الى استدامة ضعف أمة، اسرائيل ولدت بقرار أممي من رحم ضعفنا لا من نتاج التاريخ، ولا مجال أمام الصهيونية في أن تفلت من الهزيمة، وإذا وضعنا المقاومة الفلسطينية جانبا افتراضا، يصبح انتهاء الاحتلال معادلة مرتبطة بإحياء وعي الشعب العربي الذي من شأنه اسقاط وتغيير النظام العربي بكل خياناته أو أشكاله غير الديمقراطية.
العبر تؤخذ من المقدمات التي تُفرض النتائج، وأوضح للدلالة والعبرة تخبط العدو في إقامة حجته بفلسطين على صعيدي عصبة الأمم ثم الأمم المتحدة، فالمتابع يدرك بأنها كانت قائمة على أسس مدنية من السيرة التوراتية ولم تكن الأسس المعتقدية الدينية واردة ولا الاحتفاظ بالاماكن المقدسة مطلبا لهم، فقد جاء بديباجة صك الإنتداب الذي اعلنته عصبه الأمم عام 1921 ما نصه “ولما كان قد اعترف بالصلة التاريخية التي تربط الشعب اليهودي بفلسطين وبالاسباب التى تبعث على اعاده انشاء وطن قومي لهم في تلك البلاد،” انتهى ويلاحظ هنا أن التسبيب لانشاء الكيان الصهيوني بفلسطين كان مدنيا وليس دينيا.
وفي دلالة أخرى على غياب الادعاء العقدي جاءت الأمم المتحدة وقسمت القدس في عام 1949 على اساس خط الهدنة بقبول ورغبة من اليهود الذين تركوا حينها ما يدعونها اليوم بمقدساتهم في القدس والخليل مع الطرف العربي الذي رفض التقسيم والتدويل للقدس ولفلسطين من واقع اعتبارهم للقضية كقضيه وطن وتمسكهم بحقوقهم التاريخية والقانونية بكل فلسطين.
و استمرت اسرائيل حتى بعد احتلال للقدس الشرقية بمقدساتها وكذا الخليل عام 1967 بإقامة دعواها في القدس على أسس تاريخيه من التوراة وليس على اسس عقديه منها، حيث وافقت رسميا على استبعاد العنصر المعتقدي في دعواها بالقدس من خلال موافقتها على منطوق و مضمون القرار رقم 242 الذي اعتبر القضية برمتها قضيه ناشئة عن الاحتلال (الثاني) ضرورة اعاده الوضع على ما كان عليه قبل عام 67 دون ان يتطرق القرار للقدس والمقدسات.
جاء التحول الصهيوني بالادعاء بالأسس المعتقدية الدينية في خضم نتائج الهزيمة العربية عام 1967 والاستسلام العربي المكرس في مضمون ومعنى القرار 242 الذي تضمن الاعتراف الرسمي العربي بحق الصهيونية بفلسطين لأول مرة، حيث تعظمت القناعات لدى لمم مستوطني فلسطين بالاحتلال وبملكية فلسطين وتوسعت الحراكات والاتجاهات السياسية داحل المجتمع المتهود وبرز حراك المتطرفين المتدينين كطرف سياسي في المعادلة الإسرائيلية وتوسعت قاعدتهم وتركيزهم على القدس كمدينه ركبوا الإصرار على مركزيتها في عقيدتهم.
وركب الساسة الاسرائيليون بعد ذلك موجه المتطرفين اليهود وبدا طرحهم للمسألة عقديا دينيا مقترنا بسلوك سياسي ومادي منسجم مع هذا الطرح وكان موقفهم هذا ليس لمجرد ركوب الموجه تحت وطاه طموحهم السياسي في السلطة، بل عمل ينطوي على هروب من الاستحقاقات التاريخية والقانونية، واستجداء وحشد للصهيونية المسيحية بل أيضا من واقع معرفتهم بسقوط ادعائهم المدني بعد ظهور علم الأثار وانكشاف التاريخ الذي بين الكذبة الكبرى، ومن كونهم يعلمون بأنها أسس غير مقبولة بالمفهوم المعاصر وتم التعامل في مسائل مشابهه عديده من خلال اخضاعها للمنطق التاريخي الحر وللأعراف والقوانين التي تحكم حقوق التملك وحق السياده بالقدس.
لقد تجاوب العرب مع الطرح الاسرائيلي الجديد الذي لم تعد فيه فلسطين ومساله القدس تخضع لقوانين اللعبة السياسية وأهدافها ولا لمسارها القانونى والتاريخي القابل للنقاش والتحقق، وتمكن الطرف الصهيوني الغربي من استدراج الطرف العربي وجره للتعامل مع مسألة القدس طبقا لهذا المنطق الذي يلغي الاستحقاق الوطني والاسس التاريخية والقانونية ومقومات اثبات حق السيادة الاصيل في القدس وفلسطين.
ولكن بنفس الوقت فإن تطور الادعاء الصهيوني من مدني الى عقدي ديني هو تطور نابع من أزمة حقيقية يعيشها، لا يحلها حلَّال ولا تغيير الألوان والاتجاهات، ويؤشر على افتقاد الصهاينة للإيمان بوجود قضية لهم، وبأنه احتلال واستعمار ومصالح تهيأت لتحقيقها الظروف على الجانبين، وينتهي عندما تتغير الظروف على أحد الجانبين، ومع ذلك ما كان للدبلوماسية العربية أن تقبل هذا التحول، والأدهى أنها قبلته ولم تفنده،
صفقة القرن عمرها قرن من العمل مع قرون، ومع قرون أخرى من طين، والمراهنة على تجويع وإذلال الشعب العربي لتمريرها نابع من الإيمان بأن هذه الشعب هو صاحب القرار، التجويع والإذلال لا يغير القناعات والمعتقدات ولا الرضا بل يولد الصحوة، حال غزة نموذج صنعته الصهيونية الفرنجية – العربية للتركيع، وعليهم دراسة نتائجه وتعميمها على شعوبنا العربية، والشعب الأردني منه بالذات وعلى وجه السرعة، إنه هو من يمتلك الأرض والقرار وتغييبه لقرن قد ينتهي بحضوره في شهر وإشهار.
كاتب وباحث عربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى