مريضا لسوريا، مريضا بها … العتوم يكتب سطورا في محاولة الشفاء 1/2

مريضا لسوريا، مريضا بها … العتوم يكتب سطورا في محاولة الشفاء 1/2

د . ديمة طهبوب

*العنوان: خاوية
استمالني العنوان المقتضب المبهم لأعرف هل هي الخاوية التي ستظل خاوية على عروشها ام هي الخاوية التي يحييها الله بعد موتها! يتقن العتوم جذبك من حيث تريد ولا تريد وتدري ولا تدري حتى تكاد تصبح مسلوب الإرادة، قلبك يقول ابتعد فالألم قادم وعقلك يقول سيفوتك الفوت فلا تسمح للعواطف ان تخرجك خسران، تمهل حتى تنال ما تتمنى إما جبرا في قلبك او أرقا في عقلك، وكلاهما مكسب فبالألم والأمل يتمدد العقل والقلب نحو آفاق المعالي.
قيل إن المكتوب يعرف من عنوانه، ولكن العنوان هنا أدخلنا في داومة البحث منذ البداية وانه لشعور مرهق وجميل أحيانا أن تلهث منذ البداية في البحث عن المعاني، تركض لا الى سراب بل واحة غناء تتجاوز فيها السطح لتسبر غور المعاني وتنتقل من الظواهر الى المضامين وعندها سترى الخاوية عامرة وسينشق لك الامل من ديجور الظلام
* من كل بستان رواية
يقدم العتوم في هذه الرواية اضافة انسانية جديدة واغناء لمضامين المكتبة الروائية العربية بتسليط الضوء على اصحاب الحاجات الخاصة (التوحد خصوصا) وكيفية تعامل المجتمع معهم ثم يدخلهم في أتون الصراع الحياتي حتى يكون واقعيا وهو يقول ان الحياة لا تعطي استراحة لأحد، ولا يمكن لأحد أن يعيش في قوقعته المثالية، فالشر من الجبروت، والقدرة على اختراق صوامع الطهر والبراءة سواء أكانت الصومعة قدرا مرضيا تضم ناسكا في عالم من اختراعه ام ناسكا متعبدا في عالم القيم والمبادئ والايمان التي تطحنها حرب تتعالى بعض الدواب عن ممارساتها!
ان الناظر الى الخط البياني التصاعدي لكتابات العتوم يرى نقلات وقفزات نوعية على مستوى المواضيع والتنقل بين المدارس الادبية، بدءا بأدب السير والسجون في «يا صاحبي السجن» و»يسمعون حسيسها»، انتقالا الى الرواية التاريخية التي تستشرف المستقبل في «حديث الجنود»، مرورا الى الفنتازيا الرمزية في «نفر من السجن»، ثم الحوار بين الأديان في «كلمة الله»، وصولا الى محاكمة الثورة دون اي تجميل في «خاوية».
القصة الأولى تنصب لك مصيدة فما أجمل دخول عوالم انسانية وحالات جديدة لا تعرف عنها سوى اسمها في مقاربة شاعرية ادبية لا تشبه في شيء جمود وصف طبي يدخلك في متاهة المصطلح والتشخيص والعلاج.
المصيدة في انك تشعر بالأمان فلا خوف من أن يأخذك العتوم الى عوالم تجردك من انسانيتك وتفقدك طعم الحياة وفرحة نسمة عليلة مرت بوجهك وخيط شروق شمس اضاء عليك! فلماذا على الكاتب أن يخرجنا من الأمان الى ملاجئ التشريد العقلي والعاطفي ليفتح علينا العالم أسلحته، فلا نعود نعرف الخير من الشر ويصبح المرار في حلوقنا والخيبة في قلوبنا سيدة الموقف؟!
بعض الناس قد يختارون ان يبقوا في عالم طفل متوحد على أن يخرجوا الى عالم «أمير» حرب متوحش!
ولكن العتوم يخبرنا بالحقيقة وهو أننا لم نعد نملك حرية الاختيار وأن الخطر بجانبنا قد يهد الأمن عندنا وأن اصابة الجار قد تتوسع لتشملنا بأشكال مختلفة، وان جرح القلب لا يقل عن جرح الحرب، وان ندوب الحرب قابلة للعلاج وليس كذلك الحال في ندوب القلب!
*طبيب قلب ام طبيب قيم
ما زالت مشاعر الحب الأولى تدغدغنا فهي تذكرنا بماضينا وذلك الحب للحبيب الأول غير أن الفارق في قبولك لقصة تستثير مشاعرك هو القالب الذي توضع فيه فأيما قالب يكتمل في اطار عفة ونبل يتعاظم بالحب الى مودة ورحمة والتزام ففيه يعفو الله عن النظرة الأولى التي أشعلت قلبا مستهاما لم يرض بخيانة مقام وجلال المحبوبة حتى يُبوأها عرش سلطانة مملكة الزواج هكذا كان حب الطبيب جلال لسلوى في اعتراف من العتوم بوقوع الحب دون اختيار ولكن ما تفعله به من خيارات هو ما ينحط او يتعالى به.
من وصف النبضة والرعشة وانقلاب الكيان أخذنا العتوم بيد الحرف الى كتابة العقد والعهد المقدس في رسالة ان الحب لا يكتمل الا به ودون ذلك ادعاء لم تقم عليه الشهود!
ولكن ذات هذه القيمية غابت قليلا عندما نزل الطبيب المتفاني والزوج المحب والانسان المشفق من عليائه ليلعب برأسه جمال ظاهر كما تلعب الخمر برؤوس شاربيها! وهنا أقول للعتوم كنت افضل بما أنك تملك سلطة الحرف ان تقدم لنا رجلا لا يدور رأسه بالنساء، لا بقديسة ولا بغانية، يلزم اختياره الاول فيغترف منه حنان طفل في حضن أمه، ويراه لائقا به وهو شيخ المشايخ ولا يزيغ عنه عند اعتلال الخطوة وانكسار النظرة وتجعد الجبهة الى من يتقنّ استخدام الملونات والمحسنات
كانت الرسالة في مقام الزوجية يجب ان تكون شيئا من باب: الزم خيارك الاول احترمه واستثمر به.
أما المرأة فما زالت دون دور البطولة المتفردة عند العتوم، برغم من مساهمتها في ادوار البطولة المساعدة والمساندة واطلاق الابطال الرئيسيين الا ان رأي بعض الابطال فيها بالرغم من كل ما تبذله في عالم الرواية من تضحيات جسام و ما تقدمه من انجازات عظيمة، وهو يعبر عن حالة اجتماعية حقيقية لخصها زياد بقوله
«وماذا في المرأة غير ان تحرك فيك
ذلك الدم في القلب لكي تحبها؟ لا شيء!»

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى