#لأولي_الألباب

#لأولي_الألباب

د. #هاشم_غرايبه

في زمن التنزيل، كان المصلي هو المؤمن حكما، لكن الله تعالى حينما بين في سورة المعارج سنته الكونية في طبيعة الإنسان: ” إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا . إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا . وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا . إِلَّا الْمُصَلِّينَ”، لم يصف المستثنى من هذه النقيصة البشرية، بأنه المؤمن، بل بأهم صفة فارقة للمسلم عن غيره، وهي إقامة الصلاة والمواظبة عليها، ثم أكمل تعداد مواصفات هذا الإنسان المكرم من ربه، التي هي مواصفات المسلم المستقيم على دين الله.
في هذا الزمن فهمنا الحكمة من ذلك، فهنالك مؤمنون بالله غير مسلمين ويكذّبون بكتابه الكريم، وهنالك مسلمون إسميا، لكن في قلوبهم مرض النفاق، فهم ممانعون لمنهج الله، فهاتان الفئتان لم يغير الإيمان السطحي ما أراده الله من الإيمان الصادق من استقامة سلوكية واتباع للمنهج الذين أنزله للناس ليتبعوه، لذلك نجدهم في المنتج لأعمالهم لا يختلفون عن الكافرين المعادين للدين، بل ويصطفون معهم في العداء له، لذلك فكل هؤلاء من فئة الهلوعين، لأنهم يعتقدون أن ما يحدث لهم في هذه الحياة خاضع للصدفة والعشوائية والحظ، وليس بناء على حسابات دقيقة هي خلاصة تقاطعات لمعادلات كونية (سنن الله في خلقه)، لا تختلف في دقتها وانضباطها عن القوانين الفيزيائية والكيميائية والفلكية، فكلها وضعها إله قدير حكيم عادل.
رأينا التطبيق العملي لذلك في ما جرى من ردة الفعل على ما قام به المجاهدون في عملية طوفان الأقصى، فأهل غزة الذين أثخنتهم جراح الأعداء جراء قصف همجي جبان، لم يعرف له التاريخ مثيلا، وأنهكهم حصار المنافقين الذين يقولون أنهم مسلمون، رأيناهم صامدين صابرين مرابطين، لأنهم كانوا من الذين استثناهم رب العزة من نقيصة الهلع.
فيما رأينا العدو المتفوق عليهم بالتقنية والإمداد والدعم من كل المعادين لمنهج الله، رأيناهم في أقصى درجات الهلع والفزع، ولولا أن توالى قادة الغرب الحاقد على زيارة الكيان اللقيط لكي يربطوا على قلوبهم الهلعة، ويشدوا من عزائمهم الخائرة، لرأيتهم يتراكضون الى المطارات هربا.
ومع أن الفارق هائل بين قصف العدو بعشرات الآف من الصواريخ الموجهة التي يحمل الوحد منها أكثر من 2 طن من المتفجرات، لأهالي المجاهدين في غزة انتقاما جبانا، لعدم قدرتهم على مجابهتهم وجها لوجه، وبين قصف المجاهدين للعدو المحصن بالقبة الحديدية ببضعة مقذوفات رأسها المتفجر لا يزيد عن 20 كغم، إلا أننا رأينا الأهالي يهبون لإخراج من يمكنهم إخراجه من تحت أطنان الركام بأيديهم المجردة، فورا، وبلا خوف من الصواريخ الأخرى القادمة، بينما رأينا المستعمرين في غلاف غزة وغيرها يتراكضون مرعوبين ويختبئون في حاويات القمامة.
هنا نعرف الفارق بين الهلوع وبين المطمئن.
وقد وصف الله حال الفريقين، اللذين هما ذاتهما عبر العصور، لا تتغير صفاتهما، ليعرّفنا بهم، فقال في حق الهلوعين الذين هم أعداء منهجه، من معادي الأمة من خارجها: “لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ. لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ” [الحشر:13-14].
كما قال في وصف الهلوعين معاديها من داخلها (المنافقين)، الذين يخذّلون عن المجاهدين وينعتونهم بالإرهاب، يبتغون العزة لدى أعداء الله، ونيل رضاهم ودعمهم فقال: “يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ” [المنافقون:4].
بناء على هذه الحسابات بنى من خطط لمباغتة العدو في معركة طوفان الأقصى، وليس على تأمين القوة المكافئة، فذلك لن يتحقق في ظروف الحصار التجويعي المزدوج، والملاحقة الحثيثة، وانقطاع الإمداد من الأخوة في الدين.
لكنهم كانوا يعلمون يقينا، أن الوسيلة التي تتغلب على كل المصاعب هي الاتصال مع الله مسبب الأسباب، ومن بيده كل الأمور، فحققوا شروط ذلك الاتصال، وهي: “إِنِّى تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍۢ لَّا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلْءَاخِرَةِ هُمْ كَٰفِرُونَ” [يوسف:37]، فتركوا منهج العلمانية الذي تتبعه أقطار الأمة جميعا، واختاروا منهج الله، عندها أعمى الله العيون عنهم، وفتح الله عليهم من سبل الإمداد ما مكنهم من صنع أسلحتهم بأنفسهم، فكانت على بساطتها أمضى مما هو في يد عدوهم المفتوحة له كل وسائل الإمداد والتفوق.
وذلك تفسير أنه من يتق الله يجعل له مخرجا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى