في ظلال حادثة لاس فيغاس !! من يحارب من؟

في ظلال حادثة لاس فيغاس !! من يحارب من؟
د. صلاح الدين محمود

حينما أفاق الأمريكيون على حادثة لاس فيغاس التي ذهب ضحيتها المئات بين جرحى وقتلى، أفاق عرب ومسلمو أميركا على كابوس جديد من كوابيس اللعبة القذرة التي تديرها أيادي خفية عبثت بأمن الجميع عرباً وأميريكيين، بل وبأمن العالم أجمع. فالأمريكيون غالباً ما تتبادر لأذهانهم كل الحوادث السابقة التي نفذها مسلمون وعرب لو سلمنا بالأمر خارج نطاق نظرية المؤامرة، والعرب بغض النظر عن مناهجهم الفكرية يرون أن أي إلصاق بالتهمة سواء لإسلامي أم مدمن بارات باسم عربي أو مسلم، سيجعلهم يدفعون الثمن باهظاً من حرياتهم التي نالوها بشق الأنفس بعد الهروب من دكتاتوريات ملوك وحكام منطقتنا العربية.

“ستيفن بادوك” الذي وجدته الشرطة مقتولاً أو منتحراً بعد مداهمة غرفته -لو سلمنا بأنه منفذ العملية- يعني بكل بساطة أن السر انتهى بموته ولن نجد تفسيراً منطقياً للحادثة التي تعد من أكبر الحوادث في أميركا. في ذات الوقت يخرج على الملأ تنظيم داعش المخابراتي العربي الإرهابي ليعلن مسؤوليته عن الحادثة، وربما نجد في بياناته إعطاء ستيفن لقب شهيد، ثم من يدري، فقد يخرج هذا التنظيم الإرهابي الذي لا دين له للإعلام ببيان مفاده أن ستيفن عربي رغم أنه لا تبدو عليه سمرة العرب، وأن جدته هي التي أعطته لونه بعدما أفرغ الأب الغساني أو العدناني فيها جيناته “العربية”.

حادثة لاس فيغاس بين نفي السلطات الأمريكية وإثبات الرواية الداعشية بتبني العملية تثير الكم الهائل من الأسئلة المشروعة. لكن السؤال الأهم هو لم تتبنى داعش وتنفي السلطات الأمريكية هذا التبني؟

الجواب الأسهل لتبرير تبني الدواعش هو أنهم يريدون الحصول على امتيازٍ وسبق إرهابي في معركتهم مع الكثيرين، أو لنقل في أجندتهم متعددة الأهداف، وأنهم قادرون على ضرب أميركا في عمقها حتى وإن كان الحادث إرهابياً من هذا النوع وضحاياه من الأبرياء الذين قضوا ليلتهم في أحضان نشوتهم التي تريحهم من عناء أسبوع العمل. لكن نفي الأمريكيين يضعنا أمام التساؤل: لم النفي لهذا التبني؟

في الحرب الدائرة عالمياً لم تعد الرؤى واضحة في تحديد أقطاب وأحلاف الحرب، وتنظيم داعش الذي اختط منهجه وفق الرؤية الإسلامية -حسب تفسيره- يعمل على تنفيذ أجندات إقليمية وعالمية لتمرير مخططات كثيرة لم يعد من السهل التنبؤ بها. فما بين رؤية كيسنجر للشرق الأوسطي الجديد إلى حملة حكام المنطقة في الحرب على الإسلام السياسي تذوب الكثير من الحقائق، ولا سبيل لاستعادتها من ذوبانها البتة. في خضم هذا اللغط قد نجد تفسيرات للنفي والإثبات لكن لا نستطيع الجزم بأي من هذه التفسيرات.

داعش الذي يريد إثبات وجوده على الساحة أحب من خلال تبني هذه العملية أن يقول للعالم أن أياديه طويلة وستصل إلى أهدافها عبر كل الطرق، وسترسمها بكل الألوان، وليس بالضرورة أن يكون الرسم بخط عربي داكن كما اعتاد العالم رؤيته في السابق. ثم؛ داعش المدعوم من اللاعبين في المنطقة الذين يرون بقاءه رافداً لبقائهم في السلطة، حيث وجود داعش يقنع الأسياد في البيت الأبيض وفي أوروبا أن روّاد لعبة الشرق الأوسط هم شركاء في الحرب على الإرهاب. لذا ربما يرى هذا التنظيم الإرهابي إعلان المسؤولية صورة من صور الضغط الشعبي في أميركا على السلطات لإبقاء الإسلام في دائرة الاتهام، وهذا يخدم كل المناوئين للإسلام السياسي دون استثناء ممن يمولون داعش في المنطقة.

أما الجواب لعملية النفي فهي مرتبطة بفهم السلطات الأمنية لحقيقة ما يجري من الناحية الأمنية بعيداً عن السياسة ودهاليزها. فهم يرون الحادث خارج إطار الإرهاب الدولي وأنه ولد من جينات شخص ثبت أن لوالده تاريخاً في السطو كما ورد في نشرة السي إن إن حيث يقول الخبر أن والد ستيفن كان من أكثر المطلوبين أمنيا وهذا نص ما نشره الموقع الإلكتروني المذكور. “أكد مكتب التحقيقات الفيدرالي أو ما يُعرف بـ”FBI” على أن والد منفذ الهجوم ويدعى بنيامين هوسكينز بادوك كان على قائمة أكثر المطلوبين للعدالة في الفترة ما بين 1969 و1977 لعمليات سطو على بنوك.”

من هنا يتبين لنا أن نظرة السلطات الأمريكية هي أمنية بحتة، وهي الصائبة، بينما يحاول تنظيم داعش الخروج على أصول اللعبة بهذا الادعاء. وهذا يدفعني شخصياً لتصديق الرواية الأمريكية بأن الحادث داخلي إجرامي ليس له علاقة بالإرهاب الخارجي. تفسيرات السلطات الأمنية هي عبارة عن رسالة تطمين للأمريكيين بأن حدودهم آمنة، وعليهم أن يقبلوا بالحقيقة أن هناك إجراماً آخر له أسبابه مما يحتم النظر بعين أخرى لما يجري لكي يطمئن الشعب الأمريكي، وتتلافى الحكومة أحداثاُ قد تجد طريقها لتعكير صفو الأمريكيين مستقبلاً.

أعتقد شبه جازم أن إعلان داعش كان ضمن مخططات حربه النفسية ليقول لداعميه بأنه مازال حياً بعد معركة الموصل الوهمية، وأنه استطاع أن يحرز تقدماً على الجبهة السورية وجبهة الحرب الخارجية وعلى أرض أميركا.

مهما يكن الأمر، وبأي صورة يصدُق الجواب، سواء بالنفي أو بالإثبات، يبقى الأمر الأكثر أسفاً في النفس، وهو أن مئات الأبرياء سقطوا في معركة ليس للإسلام فيها يد، لكنها ورغم النفي الحكومي ستجد آذاناً صاغية للطرف الآخر في إدعائه. سقط الأبرياء وهم يقيمون احتفالاتهم في أوج سعادتهم برصاص مجرم ماكر ليس في قلبه أي مشاعر إنسانية، لهذا نستنكر هذه الهمجية بغض النظر عن الذي قام بها، سواء كان أبيضاً أو داكناً، فما يهمنا هو الإنسان وسلامته وسعادته، ومن يدعي النصر بهذه الطريقة الهمجية فعليه ان يعرف أنه لم يعد من جنس البشر، وأن الأديان كلها تلعنه هو ومن كان خلفه وآزره في حربه على الإنسان، وأظل كما هم الآخرون نتساءل: من يحارب من في هذه المعركة القذرة التي جعلت جل ضحاياها من المدنيين العزل سواء كان ذلك على الأرض العربية أم على أرض أميركا؟

* د. صلاح الدين محمود دكتوراه في رسم السياسات والإدارة العامة، الولايات المتحدة الأمريكية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى