لكم الله ايها المتعطلون عن العمل !! / د. محمد يوسف المومني

لكم الله ايها المتعطلون عن العمل !!
” من قمع في الإنسان عمله فقد قمع في الانسان رسالته ، ومن قمع في الإنسان رسالته فقد قمع في الإنسان سعادته ، ومن قمع في الإنسان سعادته فقد عرض حياته للخطر ” . ابراهيم الكوني
معشر المتعطلين عن العمل ، الذين لا يحالفهم التوفيق في إيجاد شغل يحفظ ماء وجوههم ، البؤساء الذين يصطدمون بالأبواب الحديدية المستحيل تسلقها ، الذين تعترض طريقهم الأشواك والأسلاك والكلاب الوسخة والمسامير المدمية ، ولا يعرفون أحد يعبد لهم الطريق ، وليس لهم نقود يدفعونها كرشوة ولا يقدرون على تملق هذا وتزلف ذاك ، بل وحتى إذا أرادوا فعل ذلك لا يعرفون وتكون هذه المحاولات خرقاء ، مثيرة للضحك كي لا أقول مثيرة للاشمئزاز !!
لأن التملق كما علمتني التجارب والحياة ، وقراتها في الكثير من الكتب ، فن ليس كل من هب ودب يتقنه و هو فن سأجازف بالقول أنه قديم قدم الكائن البشري نفسه ، وقد خلد لنا التاريخ بضع شخصيات تفننت في هذا الفن تفننا قل نظيره وذهبت فيه إلى حدوده القصوى ، أبرزهم على سبيل الذكر ابو نواس مالئ الدنيا وشاغل الناس , الذي كان متملقا من طراز خاص، حربائي بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالة .
على أي حال ، هؤلاء المتعطلين ، الذين لا يتقنون فعل شيء ، أضحوا يعانون من فوبيا مرضية أطلق عليها متقمصا دور عالم نفس ب فوبيا سؤال ماذا تفعل ؟
سؤال يبدو عادي جدا ، لكنه بالنسبة لهم سؤال ليس عادي ـ ليس بسيط كما يبدو ، بل هو سؤال معقد ، يخفي داخله وحش ينتظر الفرصة السانحة للانقضاض عليهم ـ إنه سؤال يثير الهلع والذعر ، مرعب ، يرعبهم رعب شديدا ، مخيف ، يخيفهم الخوف كله .. لماذا ؟ لأنه سؤال يذكرهم بمآسيهم ، يذكرهم بتضييع حياتهم سدى في انتظار ملاك من السماء والذي لن يأتي ، يذكرهم بأنهم قد تحولوا إلى دون كيشوت دي لامانشا الذي يركب حمار و يقاتل طواحين الهواء .. يذكرهم بوضعهم الذي يحاولون تناسيه بلا فائدة وهو أنهم كفوا عن الحياة ، كفوا عن العيش ، يتظاهرون فقط بذلك ، فأن تكون عاطلا عن العمل –كما تقول فتيحة مرشيد في روايتها مخالب المتعة – فأنت حتما عاطل عن الحب عاطل عن الحياة .. تهرب كل صباح من نظرات أم تقول في صمت ” تحركوا تُرزقوا ” وكأن الحركة تكفي لفتح أبواب الجنة .
ومن أجل أن لا يصطدموا به ، يتحاشون الالتقاء بأصدقاء الأمس خصوصا أصدقاء الدراسة – هؤلاء الفضوليون الملاعين الذين لا يملون من طرحه كلما اصطدموا بهم – يتحججون بألف حجة وحجة كي لا يذهبون إلى التجمعات العائلية .. يتظاهرون بالمرض ـ بموعد مع صديق، يفعلون المستحيل ، وعندما لا ينفع شيء و يحملون أجسادهم التي خاضت معارك لا حد لها بدون أي نجاح يذكر ويذهبون ، ويطرح عليهم هذا السؤال مع ما يرافقه من نصائح تحمل في طياتها لوم وعتاب وعطف وشفقة لا يحتاجونها بقدر ما يحتاجون حقهم المشروع في عمل يحفظ كرامتهم التي وصلت إلى الحضيض .. هنا يرفعون أيديهم بدون أن يرفعونها وينظرون إلى السماء بدون أن ينظروا إليها ويطلبون من الله جل علاه أن تنفتح الأرض وتبتلعهم
هكذا يصبح بالنسبة لهم الخروج من المنزل مغامرة خطيرة ..
لكم الله ايها المتعطلون عن العمل

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى