خاطرة

#خاطرة
د. هاشم غرايبه

قال تعالى:”وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ” [الأنعام:116].
يعتقد البعض ان #الديمقراطية الغربية هي الصورة الأمثل للعدالة، هي فعلا أفضل #المناهج_البشرية، لكنها لا ترقى الى مجرد المقارنة مع منهج الله المثالي، وأبسط مناقصها الكثيرة أن الأغلبية هي صاحبة القرار في إقرار التشريعات التي يخضع لها الجميع، فذلك ليس عدلا، لأن الـ 51 % سيختارون ما يخدم مصالحهم، والتي قد تتناقض مع #مصالح البقية.
فالأنانية وحب الذات هي السمة الأساسية لطبيعة الكائنات الحية، لأنها مستمدة من غريزة حب البقاء، والإنسان المتميز بينها بالعقل لا يختلف، إلا أنه يغلف هذا الطبع بأقنعة تجميلية مختلفة.
لذلك يسود #الطمع والظلم أكثر من الإيثار ونفع الآخر، فيتغلب على الصلاح البشري المستمد من الفطرة التي أوجدها الله في النفوس (الضمير)، ويصبح الميل الى اتباع الهوى وإشباع الغرائز أقوى بكثير من الميل الى الصلاح والإنصياع الى ضوابط الضمير.
وعليه فالعدالة لا تكون إلا في تشريعات منزهة عن الهوى، وهذه لا تحققها إلا الصادرة عن الإله الذي له كل شيء فلا يخشى فوات مصالحه، لذلك أنزل الدين للبشر.
ولما كان الدين أحكاما ضابطة تسعى لتوفيق السلوك مع الفطرة، وكبح نوازع الأنانية، لذلك سيجد معارضة وعداء من متبعي الشهوات والهوى، وممن يربحون من تعميم المفاسد، وهؤلاء هم أكثر من في الأرض.
على مر تاريخ البشرية ظلت هذه الفئة أشد المناوئين لرسل الله، ونجحوا بفضل امتلاكهم الثروة السحت والنفوذ من محاصرة دعوتهم، وعلى مر العصور طور محاربو الدين أساليب مادية بالمحاربة والحصار والملاحقة، وبالصد عن منهج الله بالتضليل والتشويه بوصم الدين بأنه منبع الشرور ومولّد الصراعات، وبلغت هذه الأساليب أوجها فيما سمى الحرب على الإرهاب، حيث ألصقوا به جرائم صنعوها ليصموه بالإرهاب.
في نطاق الحرب الفكرية الطويلة الأمد، ابتكروا فكرة بريئة في مظهرها، لكنها خبيثة النوايا وهي فكرة فصل الدين عن الدولة، فينخدع البسطاء بها اعتقادا أنها تسعى لاحترام العقل وخياراته ومنها حرية المعتقد، لكن النية هي تفريغ الدين من محتواه الأهم وهو تطبيق التشريعات الإلهية، وتحويله الى مجرد معتقدات فردية، وإبقائه طقوسا تراثية، فيشيعون أن الدين رجعي، أي يعيد الناس الى الماضي ويعيق انفتاحهم على العلوم والتقنية، وبالتالي مانع من التقدم في عصر السباق التقني والعلمي.
أغلب من انخدع بتلك الفكرة وتبنوها، لم يعتمدوا قناعاتهم هذه من دراسة مقارنة بين التشريعات البشرية والدينية، بل قد لا يكون أغلبهم درس تلك التشريعات ولا يعلم من تفصيلاتها شيئا، ولو سألتهم كيف حكمتم إذاً؟، سيقولون: من ملاحظتنا للدول الإسلامية، انظر لأحوالها تجدها جميعها متخلفة!.
بالطبع من العبث أن تشرح له أنه لا دولة في العالم تطبق الإسلام لأنه أمر محظور، فجميع الدول المؤهلة لذلك (من كانت في نطاق دار الإسلام)، جميعها تحت الهيمنة الغربية المباشرة، حيث كانت سابقا بريطانية أو فرنسية ثم تسلمتها أمريكا منهما، وحافظت على النهج ذاته: محاصرة وقمع المنادين بقيام نظام حكم إسلامي، ولو نادوا بذلك بالوسائل السلمية.
ولو جاء أي نظام بتوجه اسلامي يتم استبداله فورا، والتجارب التاريخية شاهدة، مثل الإنقلاب على عدنان مندريس وإعدامه (1961)، واعدام ذوالفقار علي بوتو (1979)، والإنقلاب على أربكان (1997)، والإنقلاب على مرسي (2013)، والإنقلاب على أردوغان (2016)، والذي فشل بحمد الله، لكن ذلك لا يعني تخليهم عن الكيد له، فلن يتوقفوا عن محاولات إزاحته وحزبه عن الحكم بشتى الطرق.
لقد تبين جليا أن الأنظمة المجزأة التي أنشئت على أنقاض الدولة الإسلامية التاريخية، مسموح لها أن تعلن أنها إسلامية لكن من غير تطبيق النظام الإسلامي، وتظل تحت المراقبة المشددة طوال الوقت، ولا تحصل على حسن السلوك إلا إذا بطشت بكل من يدعو الى تطبيق الإسلام.
هذه القوى الكبرى تستخدم طوابير من معادي الدين اختارتهم من أبناء الأمة، دربت بعضهم في معاهدها، وتشربوا الولاء لقيمها ومبادئها، فهم يحاربون الدين نيابة عنها، مقابل أن يتم من بينهم اختيار الإدارات والقيادات لكي لا تصل الى المسلمين.
هكذا استطاعوا أن يسجنوا الأمة في أقبية التخلف، وحراسها أنظمة مستبدة مستأجرة، وذلك لأننا أطعنا الغرب بمسمى خادع هوالتقدم فأضلونا، فاستبدلنا الذي هو أدنى (منهج الغرب) بالذي هو خير (منهج الله).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى