#لبنان على #مفترق_طرق: هل يتحرر من قبضة #النفوذ_الإيراني؟
بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة
بانتخاب العماد جوزيف عون رئيسًا جديدًا للبنان، يقف هذا البلد الصغير على أعتاب مرحلة مفصلية في تاريخه. المرحلة القادمة لن تكون سهلة، حيث تواجه القيادة الجديدة تحديات كبيرة ومصيرية على رأسها إعادة بناء الاستقرار السياسي، وترسيخ هيبة الدولة، واستعادة سيادتها الكاملة على السلاح، الذي كان لسنوات طويلة خارج إطار الدولة ومصدرًا لتأجيج الانقسامات الداخلية.
هذا الانتخاب يأتي في وقت حساس للغاية، حيث تئن المنطقة تحت وطأة التدخلات الإقليمية والدولية، التي عمّقت الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العديد من الدول العربية. لكن، وسط هذا المشهد القاتم، يلوح أمل جديد في الأفق، أمل بأن يصبح لبنان ثاني دولة عربية تتحرر من قبضة النفوذ الإيراني، بعد إشراقة الأمل في سوريا، التي بدأت تخطو خطوات نحو استعادة دورها وهويتها.
لبنان، الذي كان دائمًا رمزًا للتعددية والتنوع الثقافي، يحتاج اليوم إلى العودة إلى جذوره الوطنية والعربية. العماد جوزيف عون، الذي تدرّج في صفوف الجيش اللبناني وتميّز بقيادته الحكيمة، يحمل على عاتقه أمانة ثقيلة. المهمة ليست فقط سياسية، بل هي أيضًا اقتصادية واجتماعية، تتطلب إصلاحًا شاملاً يلامس حياة المواطن اللبناني البسيط الذي يعاني من أزمات خانقة.
إن نجاح القيادة الجديدة في استعادة سيادة لبنان وإعادة بناء مؤسسات الدولة سيشكل نموذجًا يُحتذى به لبقية الدول العربية التي تعاني من التدخلات الخارجية والانقسامات الداخلية. وكم نتمنى أن يكون هذا التحول في لبنان نقطة انطلاق لنهضة عربية شاملة تعيد للعروبة مجدها وللوطن العربي وحدته.
العراق واليمن، وهما دولتان عريقتان شهدتا حضارات عريقة، ما زالتا تدفعان ثمن التدخلات الإيرانية في شؤونهما الداخلية. التدخلات التي لم تجلب إلا الفوضى والانقسام، وعمّقت الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إن استعادة هذه الدول لحضن العروبة ليست حلمًا بعيد المنال، بل هو هدف يمكن تحقيقه إذا ما تضافرت جهود القوى الوطنية وابتعدت عن أجندات الخارج.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة إلى قيادات عربية شجاعة وحكيمة قادرة على مواجهة التحديات وإعادة بناء الأوطان بعيدًا عن صراعات القوى الإقليمية. الأمل يظل حاضرًا بأن يحمل المستقبل بشائر خير لهذه الشعوب المنهكة، وأن تُكتب صفحات جديدة من الكرامة والسيادة الوطنية، صفحات تستعيد فيها العروبة مجدها، وتعود فيها الأوطان إلى أبنائها، بعيدًا عن أي وصاية أو تدخل.
وفي هذا السياق، يجب على الدول العربية أن تلعب دورًا فاعلًا في مساندة هذه الدول للخروج من الهيمنة الإيرانية، بدءًا بسوريا ولبنان اللتين تعانيان بشكل مباشر من التدخلات الإيرانية التي أضرت بسيادتهما وأثرت على استقرارهما الداخلي، وصولًا إلى العراق واليمن اللذين يمثلان ساحة أخرى لتوسيع النفوذ الإيراني. إن دعم هذه الدول في بناء مؤسساتها الوطنية وتعزيز سيادتها ليس فقط مسؤولية أخلاقية، بل هو أيضًا خطوة ضرورية لحماية الأمن الإقليمي والدولي من تداعيات التوسع الإيراني. التدخلات الإيرانية لم تؤدِ إلا إلى تأجيج الصراعات وزيادة معاناة الشعوب، مما يتطلب موقفًا عربيًا جادًا لكبح هذا النفوذ وتحطيم خططه التوسعية.
لبنان، الذي لطالما كان منارة للفكر والثقافة، قادر على أن يعود إلى مكانته إذا ما تكاتفت الجهود وأُعيدت الثقة للمواطن اللبناني بمؤسساته وقياداته. الطريق طويل وشاق، لكن الأمل كبير. فلنرفع دعواتنا وأصواتنا مع الشعب اللبناني، آملين أن تكون هذه الخطوة بداية عهد جديد من الاستقرار والسيادة، ليس فقط في لبنان، بل في كل أرجاء الوطن العربي.