كيف يستخدم تنظيم داعش المياه كسلاح في العراق وسوريا؟

سواليف
أدرك تنظيم الدولة الإسلامية “ داعش ” أهمية استخدام “المياه” في معركته على الأراضي السورية والعراقية بالأخص، لذلك لم يتوان عن جعل الاستحواذ والسيطرة على مصادر المياه ضمن إستراتيجياته كورقة تزداد أهميتها كلما سيطر على مساحات أوسع من الأراضي.

اليوم أصبح التنظيم يستخدم المياه كسلاح لتعزيز أهدافه العسكرية والسياسية، يسيطر على الموارد المائية والسدود الهامة في سوريا والعراق، يتحكم بتصريفها، فيمنعها عن مناطق السكان الشيعة والمسيحيين، أو يغرق بها أراضيهم، أو يسممها بهدف تهجير سكانها، أسباب أكثر أهمية تقف وراء سيطرة “داعش” على مصادر المياه يوردها هذا التقرير:
العراق

I مباشرة بعد السيطرة على مدينة الرمادي (غرب العراق)، قام تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بإغلاق صمامات سدين على نهر الفرات، السد الأول كان في الرمادي التي تعتبر عاصمة محافظة الأنبار، والسد الثاني يقع في الجنوب قرب الفلوجة أول مدينة سيطر عليها التنظيم.

وفي غضون عام واحد هو عام (2014) استطاع التنظيم احتلال كل السدود الإستراتيجية الهامة (باستثناء سد الهادئ) سيطر على سد الرمادي، وسد الفلوجة، وسد ناظم الورار، وسيطر على الروافد العليا لنهري دجلة والفرات الذي يضم أكبر خزان للمياه في بحيرة الأسد، وذلك بعد سيطرته على 95% من المناطق التي يمر منها الفرات.

وفي أوائل أبريل من نفس العام أغلق التنظيم سد النعيمية الواقع جنوب مدينة الفلوجة، ثم أغرق مساحات زراعية واسعة وقرى وبلدات عديدة، وهو السد الأقرب إلى العاصمة بين أربعة سدود على نهر الفرات ضمن الحدود الإدارية لمحافظة الأنبار، كما أغلق التنظيم بوابات سد الرمادي وسيطر على السد في مايو 2015، ثم تمكن التنظيم من قطع المياه عن مدينة بلد روز ذات الأغلبية الشيعية في محافظة ديالى، ومدينة “قراقوش” ذات الغالبية من المسيحيين، كما استطاعت داعش بعد السيطرة على سدود الفلوجة والموصل وسامراء فرض سيطرتها على إمدادات المياه في محافظات بابل وكربلاء والنجف والقادسية.

تؤكد تقارير للأمم المتحدة أن: “مستويات المياه في العراق انخفضت بسبب اضمحلال الأمطار والاستخدام المكثف للماء وعوامل أخرى، مع توقع تقلص ماء نهر الفرات بنسبة %50 بحلول عام 2025، حينها سيكون العراق في معاناة فعلية جراء نقص 33 مليار متر مكعب من الماء سنويًّا”. يقول خبير شؤون الشرق الأوسط العسكرية بمعهد «بروكينجز» كينث بولاك: “إن العراق لا يمتلك موارد مائية كافية، وإن هذا النقص خلق مشاكل اقتصادية ومن ثم سياسية، وإن أية محاولة لقطع إمدادات المياه من قبل تنظيم الدولة الإسلامية ستتسبب بأضرار وخيمة”.
سوريا

وجه تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” جهوده للسيطرة على الجزء السوري من نهر الفرات، فقد تمكن من السيطرة على عدد من السدود في محافظة الرقة، أهمها سد “الفرات” الذي يعد أكبر سدود سوريا والذي اعتمد عليه في إنتاج الطاقة الكهربائية، كما سيطر على سد “البعث” الذي يقع شرق سد الفرات على بعد حوالي عشرين كيلومترًا، وسيطر التنظيم على سد “تشرين” الذي يقع في ريف حلب.

وتمكن التنظيم من قطع المياه عن مدينة حلب من مصدرها الرئيسي في منطقة الخفسة شرق حلب، أما سيطرته على سد الفرات فجعلته يتمكن من حجز أكبر مستودع مائي، إذ يشكل بحيرة يبلغ طولها 80 كيلومترًا، ومتوسط عرضها 8 كيلومترات، كما تؤكد المصادر السورية، واتخذ داعش من سد الفرات مركزًا لعملياته، ولا يستبعد بعض المحللين والمسؤولين الأمريكيين تفجير السد من قبل التنظيم إذا شعر بالخطر في تلك المنطقة، يقول أستاذ مساعد في معهد فيرجينيا الفني ومختص بالسدود المائية أرييل أهرام إن: “تدمير سد الفرات سيتسبب بكارثة إنسانية في سوريا والعراق، إذ أن مياهه ستغمر الرقة ودير الزور وصولًا إلى أجزاءٍ من العراق”.
آليات السيطرة المائية

I عدة آليات استخدمها التنظيم بعدما سيطر على مصادر المياه في كل من سوريا والعراق، تستعرضها دراسة “الماء كسلاح: داعش على نهر دجلة والفرات” التي نفذها الباحث (توبياس فون لوسو) زميل المعهد الألماني للأمن والشئون الدولية، وأولها: قطع إمدادات المياه، إذ تؤكد الدراسة أن “تنظيم الدولة يعتمد على إحداث نقص في إمدادات المياه والكهرباء في بعض المناطق عن طريق قطع الأنابيب والكابلات، أو من خلال تحويل مجرى السد، فمن لديه السيطرة على السد يمكنه أن يسبب الجفاف لمساحات شاسعة”.
أما الآلية الثانية لتعامل “داعش” مع المياه، فتتمثل في إغراق المناطق، وحسب لوسو تعتمد هذه الإستراتيجية على أن من لديه السيطرة على المياه يستطيع إغراق المناطق، إما من المنبع أو من خلال تحويل المياه وإخراج كميات كبيرة من المياه دفعة واحدة، وتمكن داعش في أبريل 2014 من إغلاق سد الفلوجة، ثم فتحه لتغمر المياه المحتجزة مناطق واسعة وصلت إلى 100 كم ودمرت المرافق الحكومية العراقية، كما دمرت أكثر من 10 آلاف منزل، وما يقدر بحوالي 200 كم من الأراضي الزراعية الخصبة.
ويتطرق لوسو أيضًا إلى “تسميم المياه” وقال إن: “داعش تستخدم المياه كسلاح من خلال تلويث وتسميم مصادر المياه مما يتسبب في إحداث أضرار بالغة، وأثبت عدة تقارير قيام التنظيم بتسميم المياه في “حلب” و”الرقة” و”بغداد”، ففي ديسمبر 2014 قام داعش بتلويث مياه الشرب بالنفط الخام ببلدة صلاح الدين في جنوب كريت، وقد سجل العام الماضي ارتفاع حالات الإصابة بمرض الكوليرا، وتفشى الوباء في منطقة أبو غريب غربي العاصمة العراقية بغداد، كما اكتشفت حالات بمنطقة بزيبز قرب “جسر الموت” في غرب بغداد.
أهداف التنظيم

عدة أهداف تقف وراء حرص تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على السيطرة على مصادر المياه في العراق وسوريا وليبيا، في البداية استخدم التنظيم المياه كأداة للسيطرة على مزيد من المناطق في إطار الحرب المفتوحة مع الحكومة العراقية، ومليشيات الحشد الشعبي، إذ أدت سيطرة التنظيم على مصادر المياه إلى نزوح السكان منها، فاحتل التنظيم الذي تنقل عناصره بكل سهولة عبر نهر الفرات هذه المناطق.
وعقبت كبيرة المراسلين الدوليين في شبكة CNN كريستيان آمانبور، على استخدام “داعش” للمياه في سد الرمادي كسلاح فتقول: “إما يقومون بحصرها ليتمكنوا من استخدام الأرض الجافة لصالحهم في المعارك، وإما أنهم يريدون استخدام ذلك ضد السكان”. وتابعت: “قيام داعش باستخدام المياه في الرمادي كسلاح سيضع ضغطًا كبيرًا على كل الأطراف في العراق، حيث إن هناك نقاشات عديدة حول ما الذي يمكن عمله لاستعادة هذا السد من قبضة داعش”.

ويوضح خبير شؤون الشرق الأوسط مايكل ستيفنز: “أن تنظيم الدولة يعي قوة استخدام الماء كسلاح، وهو لا يخشى استعماله، فصراعات أخرى لم تشهد مثل هذه الجهود لتوسيع السيطرة على الموارد في الأزمة العراقية الحالية”، أما نائب مدير مركز أبحاث المعهد الملكي للخدمات المتحدة في قطر مايكل ستيفن فيري: “أن التحكّم في إمدادات المياه يعطي سيطرة إستراتيجية على المدن والريف، فإذا كنت تتحكم في المياه في العراق، فبإمكانك السيطرة على بغداد، ويمكنك أن تتسبّب في مشاكل كبيرة. إن الماء ضروري في هذا الصراع”.

نقطة أخرى يمكننا الإشارة إليها، وهي استهداف “داعش” السدود المائية بهدف تدعيم قناعات التنظيم بأنه ينشئ دولة فعلية، يجند أتباعًا جددًا في المناطق التي سيطر على مصادر مياها، ويظهر فشل السلطة في سوريا والعراق في توفير إمدادات الدولة من المياه والكهرباء، إذ تعتبر السدود عنصرًا أساسيًّا لري حقول الأراضي الزراعية ومصدرًا للكهرباء، يقول زميل المعهد الألماني للأمن والشئون الدولية توبياس فون لوسو: “ضمان الإمدادات الأساسية من المياه والكهرباء يخدم الغرض الأسمى لداعش في المنطقة لإقامة “الخلافة” لأنها توحي للسكان بأنها إذا كانت قادرة على توفير إمدادات المياه للسكان المحليين في المنطقة الذين يعانون الجفاف فستكون قادرة على تقديم باقي الخدمات لهم”، ويضيف: “قامت داعش بعد الاستيلاء على سدود سوريا باستمرار تشغيل السدود، ففي سد الفرات زاد توليد الكهرباء بشكل ملحوظ لإمداد مدينة “الرقة” التي تتمركز فيها قيادات داعش، وأيضًا تحتاج المياه لتكرير النفط الخام الذي يُعد واحدًا من أهم مواردها المالية”.

455300992

469054502

478602086

483363017

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى