كلام الليل…. / يوسف غيشان

كلام الليل….
وكان صباح
وكان مساء
وكان اسبوع ثم اسبوع، وشهر بعد شهر، وأعوام بعد اعوام، وعقود بعد عقود، وقرون بعد قرون، وما تزال الأمور على حالها…ع حطّت ايدك.
كان سليمان باشا أحد رؤساء الوزراء الذين تناوبوا على الوزارة العراقية خلال فترة الإنتداب البريطاني ، وكان الرجل يريد أن يصنع لنفسه شعبية بين الناس، ليرضى عنه الإنجليز ، وتدوم وزارته وتدوم وتدوم…. مثل شفرات ال(ناسيت).

عام 1937 سمع سليمان باشا عن مظاهرة ستخرج في بغداد ضد تقسيم فلسطين، فتأنق ونزل مع حراسه الى المظاهرة وشارك فيها ، وسار معها طائفا في شوارع بغداد ،وربما هتف ببعض شعاراتها مع المشاركين المناوئين لسياسات بريطانيا في فلسطين.

في المساء وبعد انتهاء المظاهرة ، استدعى السفير البريطاني رئيس الوزراء العراقي سليمان باشا، وأنبه على المشاركة في مظاهرة ضد انجلترا، فقال له سليمان باشا مدافعا عن نفسه:
– سعادة السفير..نحن في النهار نمشي معهم، وفي الليل نعمل ما تطلبون.

قد يبدو تصرف دولة رئيس الوزراء مستنكرا وغريبا عن عاداتنا وتقاليدنا(كما يحلو لنا أن نتشدق)، لكننا اذا نظرنا حولنا بكل واقعيية ، نجد أن دولة سليمان باشا كان يؤسس لمدرسة عريقة في السياسة العربية …..مدرسة الإزدواجية وتعدد الخطابات وتناقضها ، مع انها تخدم في النهاية هدفا واحدا ..وهو ليس الهدف الوطني بالتأكيد.

مقالات ذات صلة

لا أعرف رد سعادة السفير البريطاني على سليمان باشا، ولا أعرف موقفه الشخصي منه كإنسان، لكنه في النهاية رجل دبلوماسي ، ويخدم دولته العظمى (آنذاك) ،ولا بد أنه طبطب على ظهر رئيس الوزراء العراقي وقال له:
– ابقى كما انت ..هيك بدنا اياك .

حاليا – في العالم العربي- ليس الغريب على السياسي أن يشبه سليمان باشا، بل الغريب أن لا يشبهه. لذلك، فلا بد أن هذه الطبطبات على الظهور والمؤخرات ، ما تزال مستمرة حتى ساعة اعداد هذا البيان.
ghishan@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى