كيف أهدر النظام المصري تريليونات في مشروعات استعراضية؟

سواليف

لا يمكن اعتبار ما يحدث في #مصر الآن سوى حلقات متصلة من #إهدار #الأموال_العامة لتلميع نظام سياسي وصناعة دعاية بمليارات الدولارات تحت مسميات عملاقة كالجمهورية الجديدة والعاصمة الإدارية الجديدة والمشروعات القومية.

“من كان يملك 100 ألف جنيه مصري في الثامنة صباحاً، أصبح يملك 85 ألفاً بعد الظهيرة، ونحو 80 في المساء”…

بهذه الطريقة، سخر #المصريون من “التعويم” الثاني للجنيه، الذي حل بهم دون إنذار من جانب الحكومة المصرية أو وسائل الإعلام الموالية لها، برغم نشر تكهنات ومعلومات من جانب مؤسسات وصحف أجنبية، ليهبط الخبر كالصاعقة على المصريين، فقد تمّ رفع الفائدة، وتخفيض قيمة الجنيه نحو 13 في المئة ليصبح سعر الدولار الأميركي 18.25 جنيه للبيع و18.15 جنيه للشراء.

ويُتوقَّع هبوط قيمة الجنيه إلى حدود أدنى خلال الأيام المقبلة، وذلك بعد انتعاش السوق السوداء “الموازية” لأيام أعقبت اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية، التي خلفت ارتفاعاً بأسعار جميع السلع منذ عدة أسابيع في مصر، بسبب ضغوط واضطرابات، أتى على رأسها الارتفاع في الأسعار العالمية للسلع الأساسية واضطراب سلاسل الإمداد وتكاليف الشحن وتقلبات الأسواق المالية، وارتفاع معدل التضخّم إلى حدود غير مسبوقة قبل حلول شهر رمضان، المعروف بتكاليفه الضخمة على الأسر المصرية، بقليل.

وتضاف إلى التحديات التي تحيط بالأسر المصرية خلال رمضان، تحديات جديدة لإعلان صندوق النقد الدولي طلب “القاهرة” قرضاً جديداً للبدء في البرنامج الإصلاحي مجدداً. كانت ذلك يتردّد كأنباء غير رسمية طوال الأسابيع الماضية، وإعلانه رسمياً يكشف أن هبوط قيمة الجنيه وغلاء الأسعار لم يكونا سوى إجراءات استباقية لإثبات الجدية لصندوق النقد الدولي، الذي يفرض شروطاً اجتماعية صعبة مقابل تمويل الحكومات. وتثير عودة الصندوق إلى الساحة المصرية مجدداً، بعد قروض حصلت عليها مصر وأدّت إلى خفض كبير لقيمة الجنيه، وكذلك نقص حاد في مدخرات المصريين والقيمة الشرائية لرواتبهم.

تفشل#الحكومة_المصرية باستمرار في ضبط #الأسعار، لتتركها للانفلات الذي صاحب قرار #التعويم_الثاني_للجنيه، كما حصل مع التعويم الأول عام 2016 حين قفز سعر الدولار من 8 إلى 16 جنيهاً في صباحٍ مُحبط للكثير من المصريين، كصباح الاثنين الحادي والعشرين من آذار/ مارس 2022.

هي نفسها المأساة التي تتعرّض لها شرائح واسعة من المصريين ذوي الدخل المحدود، وجدت نفسها تحت رحمة التجار دون مُنقذ أو مراقب، وبالتالي يكون عليهم أن “يتحمّلوا” كما يطلب منهم الرئيس عبد الفتاح السيسي دائماً.

استند البنك المركزي المصري في البيان الذي برَّر به إجراءاته إلى الحرب الروسية- الأوكرانية وتقلبات الأسواق وصعودها العشوائي، دون أن يلفت أو يجيب عن السؤال الصعب: أين اختفت الدولارات المصرية طوال الأعوام الماضية؟
أكبر مسجد وكاتدرائية… هكذا خسرت مصر 400 مليار دولار!

لم يكتف السيسي ببناء أحد أكبر مساجد العالم في العاصمة الإدارية الجديدة بتكلفة بتكلفة خيالية، فإضاءته وحدها كلّفت 20 مليون جنيه إلى جانب الـ21 قبة التي تزيّنه، حتى بدأ بإنشاء مسجد آخر بتكلفة 800 مليون جنيه. يحتضن المسجدان أكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط، التي كلّف تنفيذ مبناها نحو 400 مليون جنيه، أما المسجد الثاني الذي يحمل اسم “مصر” فتضيئه نجفة فاخرة وعملاقة، وهكذا طوال الأعوام السابقة تنفق مصر أموالها “القليلة” في بناء وتشييد وشراء أشياء لا يشعر المواطن بجدواها بتكاليف مهولة، كانت قادرة على حلِّ الكثير من المشكلات وتحسين الأوضاع وإنعاش “جيوب” المواطنين.

انتهج السيسي نهج إنشاء مشروعات قومية عملاقة بمبالغ ضخمة، من أجل أغراض سياسية استعراضية ولصنع هالة إعلامية، بحسب وصف معهد كارنيغي للشرق الأوسط– في إسناد بالأمر المباشر دون مناقصات أو مزايدات أو ترشح عدّة شركات بعروض مختلفة لتنفيذ المشروعات، وفي الغالب، كانت القوات المسلحة تتولى الاختيار وتحصل على عمولات. ولأجل ذلك، بدأ بناء مدن وكباري وشق طرق جديدة دون الحاجة لها في الوقت الراهن، كانت تلك أولوية السيسي الذي يريد أن يبني “الجمهورية الجديدة“، دون النظر إلى أيِ ظروف أخرى قد تصيب المصريين، وبدأ ذلك بمشروع قناة السويس الجديدة، الذي لم يثبت جدوى اقتصادية حتى الآن، إلا أن نجاحه كمشروع قومي دفعه إلى إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، ثم مدن أخرى كالعلمين والجلالة.

كلفت موجة المدن الجديدة تريليونات من الجنيهات، فالعاصمة الإدارية وحدها كلّفت حتى الآن 60 مليار دولار، إلى جانب 14 مدينة جديدة، تستهدف احتواء أكثر من 30 مليون نسمة، وإعادة توزيع السكان، وخلق مراكز حضارية جديدة، إلا أن المدن الجديدة بالكامل لم تحقق الأهداف من ورائها بأي مدينة، ونسبة نجاح الأهداف تتراوح ما بين 3 في المئة في أسوأ الأحوال، و27 في المئة في أفضلها، بحسب مبادرة “تضامن“.

وبرغم الفشل في تحقيق أي أهداف، واصلت الدولة زيادة أعداد المدن الجديدة ورقعتها الجغرافية واستكملت البناء بوتيرة أسرع، وتضاعف الإنفاق بمليارات الدولارات، حتى بلغ الإنفاق على مشروعات العقارات والإسكان نحو 6.2 تريليون جنيه (400 مليار دولار) خلال 7 سنوات، بينما يعيش المواطن على الجانب الآخر في مدنه القديمة في ظروف اقتصادية ضاغطة وصعبة تتضاعف بوتيرة شبه يومية، وكأن الدولة تصرّ على إنشاء جمهورية جديدة تهرب إليها ممّا يقلقها في العاصمة القديمة من ثورات، والمدن القديمة من مشاهد مؤسفة، أبطالها هم الفقراء، لا تريد أن تراها أو تصدّرها للعالم، وكأنها تطبّق حرفياً نبوءة الأديب المصري أحمد خالد توفيق “سيتركون العاصمة القديمة لتحترق بأهلها وتندثر ظلماً وفقراً ومرضاً… وسيذهبون إلى عاصمتهم الجديدة حتى لا تتأذى أعينهم بكل ذلك الدمار”.

وهكذا فقدت مصر ملياراتها في مشروعات لم تؤتِ ثمارها، ولا تنبئ بذلك، واتّجهت إلى التعويم الثاني للجنيه للحفاظ على الاستثمارات التي كانت تستهدف من وراء المدن الجديدة جذب المزيد منها، إلا أن فشل الخطة أبقى على بنايات شاهقة وكباري عملاقة ومدن مهجورة على رمال متحركة، كلفت تريليونات الجنيهات، التي لم يستفِد منها الإنسان المصري الذي يغرق في فقره الآن باعتباره المتضرر الوحيد من القرارات الاقتصادية الجديدة التي تحاول بها الحكومة المصرية لملمة أخطائها.

منذ عام 2013، الذي تولى خلاله السيسي زمام الأمور في مصر صورياً ثم رسمياً منتصف عام 2014، والأسواق تشهد هروباً جماعياً لرجال الأعمال والمستثمرين، لكن خلال الأعوام الثلاثة الماضية أخذت الأمور منحى آخر.

توسّع الجيش والمخابرات في إحكام قبضتهما على الاقتصاد المصري، متجاهلين التحذيرات التي أطلقتها دراسات وأبحاث اقتصادية من تداخله في الاستثمار بقوة، حتى وصل عام 2019 حين تكبدت مصر تكلفة باهظة، حتى إن صندوق النقد الدولي أشار، في تقرير، إلى قلقه من “اقتصاد الجيش المصري” الذي يضيّق الطريق أمام القطاع الخاص، ويؤدي إلى هروب المستثمرين الأجانب من مصر، فالجيش يحتكرُ تنفيذ المشروعات في سيناء، وينافس القطاع الخاص- برغم حصوله على تسهيلات كبيرة- في مجالات الكيماويات والجرانيت والرخام والصلب والإسمنت وإنشاء خطوط الاتصالات وتوطين التكنولوجيا والرقمنة والفنادق والسياحة ومحطات وشبكات الاتصالات والأقمار الصناعية. وذلك إلى جانب سيطرة الجيش على الاقتصاد الزراعي والحيواني لامتلاكه مساحات ضخمة من المزارع، وكذلك المقاولات والبنية التحتية والأدوية.

تحوّلت منافسة الجيش في مصر إلى أمر شبه مستحيل، فهو الرابح دائماً بقوته العسكرية وقدرته كسلطة لا يجرؤ أحد على معارضتها أو المساس بها أو بالمناطق والمجالات التي تضع يديها عليها في مصر في ظل انعدام الشفافية والمحاسبة العامة.

وبسبب عدم الشعور بالأمان، لم تكن مصر سوقاً مناسباً في ظل اضطراب عالمي، وهو ما أدى إلى خروج 3 مليارات دولار من مصر منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، وهروب مستثمرين كبار، ويأتي ذلك بعد خروج 3.6 مليار دولار أخرى خلال الربع الأخير من 2021.

تحوّل ذلك الهروب “الآمن” للمستثمرين إلى خسائر كبرى للاقتصاد المصري الرسمي، في حين كان الجيشُ يربح كثيراً، وبرغم كونه جهة حكومية، فلا يسدّد ضرائب ولا يورّد تلك المكاسب إلى خزائن الدولة لكونها “عَرَق الجيش” حسب تعبير السيسي، وبرغم أنه من المستحيل تحديد مكاسب الجيش، إلا أن تقريراً لمعهد “كارنيغي”، يؤكد أن “البيزنس” التي يملكها الجيش يحقق مبالغ طائلة، و”يتحدث العمال فيه عن أرقام كبيرة حتى إنهم يقولون إن هناك شركة واحدة تجني 5 مليارات دولار سنوياً”.

العوامل الكثيرة التي أدّت إلى انهيار الجنيه، وسقوط المواطن المصري تحت عجلات الاقتصاد التي تكاد تفرم الجميع في الوقت الراهن، تجعل كل الحلول المطروحة حتى الآن هي محض أوهام لتهدئة الجموع الغاضبة وتصوير الأمر وكأنه حدث عابر يمكن حله، لكن مصر بالكامل تتّجه إلى طريق مسدود. في آخر ظهور تلفزيوني له، قبل أيام، بدا صوت السيسي محبطاً للغاية، وهو يعزو أمر المصريين ومشكلاتهم المعيشية إلى التدبير الإلهي المحفوف بعلم الغيب، قائلاً: “ناس كتير في مصر عندهم مشاكل كتير، وربنا هيخفف عنهم”.

يدفع الفقراء الآن ضريبة المراوغة السياسية المصرية في إدارة الاقتصاد، إذ كان الخداع عنواناً للتعويم الذي حصل عام 2016، فلم يتم تعويم الجنيه كلياً كما هو معلن رسمياً بل كان البنك المركزي يتحكّم في سعره بشكل غير رسمي وغير معلن. يقول الخبير الاقتصادي محمد فتحي لـ”درج”، إن نسبة التضخم الكبيرة كانت نتيجة للتعويم الأول، وإن الجنيه رغم تعويمه لم يكن مقوّماً بقيمته الحقيقية، وأن الثبات الذي بدا عليه الجنيه طوال السنوات الماضية كان وهمياً، إذ أدّى في ما بعد إلى أزمات اقتصادية متراكمة.

حدَّد بنك “جي بي مورجان” الأميركي متعدّد الجنسيات سيناريوهين لتخفيض قيمة الجنيه قبل نحو أسبوعين من التعويم الثاني، وكان ثانيهما يقتضي تخفيضاً كبيراً يدفع الدولار إلى قيمة 17.25 جنيه، ويؤكد فتحي أن السيناريو الثاني يسهم في رفع معدلات التضخم إلى مستويات عالية، وبالتالي غلاء الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، نتيجة لغلاء أسعار السلع المستوردة.

يبلغُ مستوى التضخم في مصر، قبل التعويم الثاني، 8 في المئة (في شباط/ فبراير 2022)، لكن تخفيض الجنيه الذي يتزامن مع غلاء أسعار النفط والوقود عالمياً- وهو ما لم ينعكس على مصر حتى الآن ولكن من المتوقع تعويم سعر الوقود أيضاً قريباً تعويماً جزئياً- قد يضاعف التضخم حتى يؤدي ذلك في النهاية إلى موجة غلاء عاتية إلى جانب هبوط قيمة الجنيه.

لا يمكن اعتبار ما يحدث في مصر الآن سوى حلقات متصلة من إهدار الأموال العامة لتلميع نظام سياسي وصناعة دعاية بمليارات الدولارات تحت مسميات عملاقة كالجمهورية الجديدة والعاصمة الإدارية الجديدة والمشروعات القومية…

مصطلحات لم تعد تنطلي على أحد بمرور الوقت، فكلما أقيم مشروع جديد، خصم ذلك من رصيد المواطن المصري، وقلل من فرصه في حياة أفضل، وبات عليه أن يتحمَّل ليكون مواطناً صالحاً، دون أن يعرف إلى متى سيصبر على الأوضاع الصعبة والغلاء المعيشي القاسي الذي يخيّم على الجميع في القاهرة.

المصدر
daraj .. هاني محمد - صحافي مصري
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى