كيف أنقذت تركيا وطنا اسمه الصومال؟

سواليف

بدأت العلاقة التركية الصومالية في القرن الرابع عشر إبان الحكم العثماني، ذاك الوقت كانت سلطنة عدل الصومالية تبسط سيطرتها في منطقة القرن الإفريقي، من بربرا وزيلع وصولا إلى هَرَر، خاض الصوماليون أنَذاك حروبا تشيبُ الرضيع ومعارك طاحنة ضد أباسينيا والبرتغال بزعامة فاسكوا دغاموا. كان الغزو البرتغالي هادفا بالعبور إلى البحر الأحمر والسيطرة على المقدّسات الإسلامية في منطقة الحجاز، ولكن كان لابدّ من اجتياز الخطوط الدفاعية للصوماليين واحتلالهم لكي يتمكن الغُزاة من وصول المدينة المنورة.

استنجد الصومالييون بالعثمانيين، واللذين أمدّوهم بالمقابل مدافع ميدانية الأمر الذي قلّب موازين القتال لصالح سلطنة عدل التي سيطرت أخيرا مدينة غوندر عاصمة أباسينيا المسيحية التي سقطت في أيدي المسلمين بعد التغلغل الصومالي الذي قاده الزعيم الروحي لسلطنة عدل أحمد إبراهيم الغازي (احمد غُورَاي).

انزلقت الصومال بحروب أهلية ونزاعات داخلية منذ عام ١٩٩١م إذ سقطت الحكومة الصومالية المركزية واندلعت الفوضى في ذلك البلد الذي خاضت اجياله معارك البقاء منذ القرن السابع للميلاد، فمنذ بداية التسعينات في القرن الماضي لم يكن لها أي تأثير ملحوظ في المحاور الدولية، فقد أُقِيمَت جنازة القوم ومَزقت الحروب حضارة البونت التي تأسست ٢٥٠٠ عام قبل الميلاد. حروبٌ مرهقة وأجيالٌ لاجئة ومجاعات تتلاحق عبر السنين جعلت الصومال بلدا منسيًا وصديقا متروكا وبؤرة لحروب الوكالات ومأوا للتطرف والقرصنة والإرهاب.

أغسطس عام ٢٠١١، قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة مفاجأة إلى مقديشوا استجابة للوضع الإنساني هناك، ثم بعدها بأربعة أعوام، زارها مرة أخرى عام ٢٠١٥ لافتتاح أكبر مستشفى في شرق إفريقيا، وتنفيذ مشروع توأمة مقديشوا مع إسطنبول، منذ ذلك الحين نفذت تركيا مشاريع ضخمة في الصومال مثل بناء الطرقات، والمستشفيات، والمدارس وتشغيل المطارات والموانئ وترميم المقرّات الحكومية بالإضافة إلى تدريب وتسليح الجيش الصومالي، وإنشاء قاعدة تركيصوم العسكرية، كما أنشأت في مقديشوا أكبر سفارة تركية في العالم، مما أدّى إلى إعادة الصومال في أنظار العالم كبلدٍ ذات موقع وأهمية إستراتيجية.

لعب الأتراك أيضا دورا في استقرار الصومال ومحاربة الإرهاب هناك، وانعقاد مؤتمرات للتصالح بين الشمال (الانفصالي) والجنوب، إضافة إلى دعم كافة الأنشطة المجتمعية الهادفة إلى نهضة البلاد. حاليا، تتمتع الصومال بهيبة أخلاقية بسبب مواقفها المحايدة في القضايا العربية والإفريقية والدُّولية، كحصار قطر والتدخل في الشأن الليبي وملف سدّ النهضة، مما يجعل الصومال دولة ذات قرارات منفردة بعيدة عن الخضوع والتبعية.

هذا الأمر الذي دفع ليبيا والنيجر وعمان وأذربيجان وغيرهم من الدول المعرضة للاعتداءات والتدخلات الخارجية بالتّقرب من تركيا، تلك القوة الإقليمية الصاعدة ذات الطابع الأخلاقي الإسلامي الهادف إلى مساعدة الأمم المظلومة والأوطان المنسية.

المصدر
الجزيرة نت
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى