الفكر اللاديني والغفلة عن الواقع / عبدالرحيم الزعبي

الفكر اللاديني والغفلة عن الواقع

صرح وزير الأوقاف بأنه سيتصدى لموجة الانحلال والإلحاد التي تغزو البلاد، وقال أن خطورتها لا تقل عن خطورة الدواعش. يبدو الأمر عاديا، ويبدو أن هناك توجها لإنتاج خطاب ديني رسمي يحذر من فكر داعش ويحذر من الفكر الإلحادي. غير أن الحديث عن الفكر الإلحادي يطرح السؤال التالي: هل حقا هناك فكر إلحادي انحلالي يغزو البلاد ؟! هذا هو السؤال الذي يطرحه كل مثقف لاديني كردة فعل طبيعية على تصريح وزير الأوقاف. ينتج هذا السؤال أسئلة أخرى أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: هل يعني ذلك أن وزير الأوقاف يريد محاربة نمط الحياة المدنية في عمان بما يتضمنه من لباس وحفلات غنائية راقصة واختلاط ؟!على أي حال تندرج هذه الأسئلة تحت مسمى المماحكات، وهي تعكس افتقار بعض حملة الخطاب اللاديني إلى مراقبة ما يجري على أرض الواقع.
إن الاتجاهات اللادينية في بلادي تنسى أن التيارات السياسية على اختلافها (دينية/ لادينية) لا تفرز آراء وممارسات سياسية فحسب،بل تفرز فكرا قد يكون منحرفا أو مفارقا لواقع الأمة وقضاياها. أذكر أنني التقيت طالبا من أبناء الضفة الغربية لا يتجاوز عمره 19 عاما، وعندما فتح موضوع النزاع العربي الإسرائيلي قال: “لن ينتهي النزاع ولن يحدث السلام، إلا إذا قرعنا كؤوس البيرة ورقصنا عربا واسرائيليين سوية في حرم الأقصى، ونبذنا فكرتي الهيكل والمسجد” !! أعتقد أن هذا من مفرزات خطاب إلحادي يحصر أسباب الصراع البشري المتعددة المتفرعة في سبب واحد هو الدين !! وهذا الخطاب يغيب نسبة من أبنائنا عن واقعنا المرير، بل ويتطور الأمر لدى بعضهم فيعتقد أنه سيصنع المستقبل هو ومن يؤمن معه بثقافة بريئة ساذجة تقتصر على حب الحياة والاقبال على الفن والإبداع. والاعتراض ليس على حب الحياة والاقبال على الفن والابداع، بل على استبعاد الوعي بالجوانب الأخرى للحياة. وذلك ما ظهر في رأي صاحبنا حين اعتقد أن الصراع بيننا وبين الصهاينة سينتهي بمجرد قرع البيرة داخل الحرم !!
عالميا يترأس الأمريكي “سام هارس” هذا الخطاب، وقد قرأت كتابه “The End of Faith” كاملا، والكتاب قائم على تحميل الدين مسؤولية كل الشرور في هذا الكون !! وقد عذرت الكاتب أول الأمر في نيته، لأنني لم أعتد على الحكم على كاتب من خلال قراءة كتاب واحد، أو الاستماع لرأي واحد من آرائه، فالإنصاف يقتضي التأني في إصدار الأحكام. ثم دارت الأيام وشاهدت له حوارا يتحدث فيه عن أخلاقية إسرائيل ولا أخلاقية عدوها الفلسطيني !! قال في كلامه: “مشكلتكم أنكم تحكمون بين الطرفين من خلال تعداد الجثث التي خسرها كل طرف بعد كل مواجهة” !! ثم أضاف:”لماذا تستبعدون النية !! نية إسرائيل في التخلص من مخربين يتمترسون بين مدنيين”. ما نتاج فكر كهذا ؟!! نتاجه أن تذهب طالبة بكالوريس أردنية في فعالية تبادل ثقافي إلى إسرائيل، ثم ترفع على صفحتها على الفيسبوك: “كنت أعتقد أن إسرائيل بلد يمتلأ بالجنود ولكنني لم أر خلال أسبوع إلا جنديا واحدا !! ووجدت المدنية والتحضر والعلوم والتكنولوجيا والفنون والإبداع”. نسيت الفتاة أن الأردن يعيش فيه أكثر من 4 ملايين لاجىء تم تهجيرهم وقتل عدد مقارب لعددهم لتبني إسرائيل حضارتها ومدنيتها على أراضيهم.
ختاما أؤكد على أن هناك غفلة من قبل دعاة التيارات اللادينية لما قد تفرزه تياراتهم من فكر مفارق لواقعنا وقضايانا، لا على أيديهم هم ككتاب مقالات، ومعاذ الله أن أتهم أحدا في نيته، ولكن على أيدي أساطين الأفكار اللادينية من مفكرين عالميين. لا يملك أي منا عصا سحرية لحل هذه الإشكاليات، ولكننا على الأقل نملك فكرا قادرا على المقارعة. ويملك الكثير من الكتاب اللادنيين في بلادي قدرة على إقناع أبناء الجيل الجديد ممن بدأت تلك الأفكار تغزوهم وتتملك عقولهم. فليتهم يتكرمون بتوسيع حلبتهمالفكرية لتضم التصدي لذلك الفكر، بدلا من اقتصار مواجهتهم على تراشق التهم مع خصومهم الإسلاميين. المعركة معركتكم لا معركة وزير الأوقاف، وهذا هو الحد الأدنى لتصبح لادينيتكم رشيدة ومرحبا بها.

عبد الرحيم الزعبي
https://www.facebook.com/abdulraheem.alzubi

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى