الإرهاب الأسود / د . هاشم غرايبة

الإرهاب الأسود
قبل أيام قتلت النائبة البريطانية ” جو كوكس ” بسبب موقفها السياسي ، واتفق الجميع على عدم إطلاق عبارة الإرهابي على قاتلها ، وقبل عامين قتل أمريكي رجلا وامرأتين لأنهم مسلمين ، ولم يعتبر إرهابيا بل بسبب كراهية الأديان ، وعندما قتل ألماني مثلهم من المهاجرين المسلمين ، قيل إنه شخص يميني ، وتم على استعجال نفي صفة الإرهاب عن فعله ، وقبل هذه وبعدها جرت كثير من أعمال القتل لتلاميذ مدارس وركاب حافلات وقطارات وطائرات .. كان البحث دائما عن هوية القاتل :
إن كان مسلما فإن العمل يعتبر إرهابا ، فتصدح الحناجر بالصياح المستنكر للدين الإسلامي الذي لا ينتج إلا الأشرار ، ويتسابق ساسة العالم في وصم العمل بالجبن والنذالة ، وينهمك قادة الدول الإسلامية في التأكيد على ضرورة توحد العالم لموجهة خطر الإرهاب الماحق .
أما إن كان الفاعل يهوديا ففعله دفاع مشروع عن النفس ، وإن كان مسيحيا فعمله هذا فردي تبرره ظروف شخصية قاسية ، أما إن كان من غير هذا ولا ذاك فإن الإهتمام ينصب على البحث في وضعه الإجتماعي وتاريخه المرضي النفسي لإحالة سبب الجريمة الى المجتمع الذي قصّر في علاجه .
هذا الذي ذكرته ، ليس فيه أية مبالغة ، ولا هي محاولة تبسيط انتقائية ، بل هي حالة باتت عالمية شاملة ، من ينكر ذلك أسأله : هل وُصِمَ بالإرهاب أي عمل إجرامي حدث في أي مكان في العالم منذ بداية القرن الجديد ، وكان مقترفه شخص غير مسلم ؟.
إذن فصفة الإرهاب فُصِّلت وخيطت على مقاس الإسلام تحديدا وقصرا ، فأصبحت رداءه التقليدي .
سيسأل سائل ما الذي يجبر المسلم على ارتدائه إن كان يرفضه وينكره ؟
الإجابة على ذلك طويلة ، وستكون مملّةً لو عرضنا مختلف جوانبها ، لكننا سنقتصر على لقطات تُشير الى أهم المحطات في هذه العملية التي استغرقت قرونا : –
1 – كانت البداية منذ ظهور الإسلام في الجزيرة العربية ، الذي نقل العرب من رعاة إبل إلى سادة العالم خلال نصف قرن فقط ، أثار ذلك حفيظة القوتين الأعظم : الرومان حافظوا على حالة العداء مع الدولة الإسلامية ، وأوروثوها للأوروبيين فيما بعد ، وأما الساسانيون دخلت شعوبهم في الإسلام فأصبح جزءا من وجدانهم فلم يجدوا الى محاربته سبيلا ، فانصب حقدهم على المكون العربي ابتداء من اغتيال الفاروق ، ثم إشعال النزاعات بعده ، واستغلال الخلاف في البيت العربي بعد استئثار معاوية بالحكم ، فوجدوا الفرصة في دعم من تشيعوا لعلي وابنائه لتأجيج الصراع ، ثم دعموا التمرد العباسي على الأمويين .. واستمرت التدخلات الى يومنا هذا .
2 – المرحلة الثانية كانت مع الخطر الذي هدد أوروبا الذي شكلته الدولة الأندلسية الإسلامية .
3 – الثالثة تمثلت بالصراع مع الدولة العثمانية الإسلامية ، وهذه كانت الأكثر تهديدا ، مما كان له أبلغ الأثر في الذاكرة الجمعية الأوروبية ، فكان من السهل شيطنة شخصية المسلم ، هذا الرعب فتح الباب لسلسلة الحروب الصليبية وغيرها من الحروب الإستعمارية والإستكشافية ، وتمكنت في نهاية المطاف من دحر آخر دولة إسلامية .
4 – المرحلة الرابعة والأخيرة كانت بعيد الحرب العالمية الثانية ، حيث تم التخطيط لمنع عودة ذلك الإسلامي البغيض فقسمت أراضي الدولة الإسلامية التاريخية الى أقطار وضعت تحت انتداب الدول الأوروبية ، إلى أن تم إقامة أنظمة وطنية شكليا لكنها ملتزمة بعدم السماح بعودة الدولة الإسلامية ، وزرعت ( إسرائيل ) كموقع مراقبة متقدم لضمان حسن التنفيذ ، وفرضت الجامعة العربية كمؤسسة توحيد صورية لاستبعاد أي حركة توحد بناء على الرابط الإسلامي .
ظلت الأمور تسير كما هو مطلوب ، لكن فساد هذه الأنظمة دفع التذمر الشعبي الى استنهاض الروح الجهادية الإسلامية ، ومن ناحية أخرى فأن سيطرة المحافظين الجدد في أمريكا وبريطانيا ، شجعت الأطماع الكولونيالية مجددا ، فكان لا بد من الصدام ، ويعرف الغرب أن الجهاد مارد لا يستهان به ، فكانت الخطة وصم المجاهدين بالإرهاب لعزلهم عن التأييد الشعبي لتسهيل دور الأنظمة في قمعهم .
من هنا كان لا بد من جعل كلمة الإرهاب ملازمة للإسلام .
إن هذه الخطة الشريرة لدمغ مليار ونصف إنسان بهذه الصفة الكريهة ، هي أسوأ من الإرهاب نفسه ، وأبلغ ضررا بالبشر ، فهي تسوغ الفتك بهم أينما كانوا ، وتبرر اغتيالهم من غير محاكمة ، بل وفي غالب الأحيان يكفي مجرد الإشتباه لقتلهم من قبل طائرة بلا طيار ، فيقتل الشخص الظنين وربما أفراد عائلته أو جميع ركاب السيارة معه أو حتى المارة في الشارع .
هذا هو الإرهاب الأسود .
في عالم اليوم لم تعد للمسميات معانٍ ثابتة ، فالطاغية الأكبر ( أمريكا ) تملك وحدها حق تفسير المصطلحات حسب مصلحتها ، فتدمير مدينتين على رؤوس من فيها في هيروشيما ونجازاكي أمر مبرر ، وقتل أكثر من مليون عراقي بحجة البحث عن اسلحة مخبأة ، لا تعدو خطأ لا يحاسب مرتكبه ، أما أسر عسكري احتلال كان يقتل مدنيين عزل ، فهي إرهاب خطير تسارع أمريكا وكل جرائها لإبداء الحزن والتضامن معه .
الإرهاب الأسود هو ما يجب أن يحارب وتنشأ من أجل دحره التحالفات ، ومن يتناسى هذا الشر ، ويصر على أن الإرهاب إسلامي فقط .. لا شك أنه يحارب الإسلام قصداً .

– للإطلاع على المزيد من انتاج الكاتب يرجى الدخول على صفحته على الفيس بوك : صفحة الدكتور هاشم غرايبه

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى