المائدة المستأجرة / يوسف غيشان

المائدة المستأجرة
رغم ما فينا ، ورغم أوضاعنا التي لا تسر الا عدوا حامي الوطيس، ورغم
تراجعنا في كافة المجالات (بلا زغرة)، ورغم تحولنا الى ارتال من اللاجئين في بلداننا وبلدان غيرنا، وعلى ابواب السفارات. ورغم ..ورغم.. ورغم…. الا اننا ما زلنا – شعوبا وافرادا- نمارس الأنفة والعزة والفخر وكأننا اسياد لأسياد العالم .
لكم أن تخيلوا رجلا يدخل الى أحد مطاعم الدرجة الأولى ويتفق مع مدير المطعم على استئجار طاولة عامرة بالاطايب والمشروبات من اغلى واثمن الانواع، يجلس على الكرسي يضع الصحن امامة يحمل الشوكة والسكين ،يضع الفوطة على حضنه …وينظر الى الطاولة ويرمق الزبائن الاخرين على سبيل التفاخر والتباهي ..يمد يده ، لكنه يتذكر فجأة ان كل ما على الطاولة هو مستأجر وليس للأكل ..يسيل لعابه وهو ينظر الى المشوي والمقلي والمطبوخ والمنفوخ والمسلوخ، فيكاد يمد يده،ثم يتذكرالاتفاق مع مدير المطعم ،..اذا ازدرد لقمة واحدة او نصف رشفة ،فهو مضطر ان يدفع الثمن … ثمن كل شيء على الطاولة ، وعلى زعيق أمعائة المتخمة بالجوع يتلهى– او يحاول – عن طريق مراقبة الزبائن الاخرين وهم ينظرون اليه… فيكتشف انه قد لفت نظرهم لكثرة ما طلب ،يندهشون قليلا لأنه لم يمد يده الى الطعام، ثم يتناسونه وينسونه رويدا رويدا.
لا تسخروا من هذا الرجل ، فهو نحن جميعا ، من عرب عاربة ومستعربة ومستغربة. نعم يا سادة اننا سادة التباهي الاخرق ، منذ ذالك الصبي الذي بلغ الفطام لتخرّ له الجبابر ساجدينا، مرورا بالاعرابي التي تحدى المارة في سوق عكاظ ان يجروء احدهم على قطع قدمة بالسيف ، حتى وصل من هو اكثر منه تباهيا وقطعها، وليس انتهاءا بوعودنا القاطعة أمام سمك القرش بأننا سوف نتخمه من جثث اليهود .
البعض يتباهي بما فيه ، فيتهمه الناس بالغرور ، أما نحن فنتباهى بما ليس فينا وبعكس ما فينا.ة
– نتباهى بالديمقراطية ونحن اكثر ديكتاتورية من طفل مدلل…
-احزابنا القومية تتباهى بقوميتها وهي الاشد اقليمية من اقليم التندرا!
– احزاب اليسار تتباهى بالاشتراكية وهي اكثررأسمالية من آدم سميث!

– الجمهورية اكثر ملكية من لويس الرابع عشر !!
– والملكية اكثر جمهورية من افلاطون!!
– العشائري عائلي
-والعائلي فردي
– والفردي مفصوم!!
نحن مجرد طواويس متباهية بشعرها الملون ، وعقولها منخورة كالجبن الفرنسي ،وعيونها رمداء …وهي خاوية القلب والمعدة والجيب.
نحن … من نحن؟
نحن ابناء يعرب اعرب الناس لسانا، وانظر الناس عودا(وكمنجا).

وعين الحسود فيها عود وكمنجة……
ghishan@gmail.com

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى