التاريخ الديني -3 / د . هاشم غرايبة

التاريخ الديني -3

يعتبر إبراهيم عليه السلام أب الأنبياء الذين دعوا الى الدين المعروف حاليا على أنه الإسلام ، وهو من أطلق على أتباعه مسمى المسلمين “مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ”.
وقد نال تكريما مميزا من الله عز وجل لم ينله نبي آخر، حينما أعتبره أمة وجعله إماما، فحباه منزلة يطمح الأنبياء جميعهم للوصول إليها، كما جعل الأنبياء التالين له جميعهم من ذريته، وكلهم أمة واحدة وأسماهم أهل البيت أي بيت النبوة.
استجاب الله له لما دعاه”رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ” وهو اسماعيل، وأتبعه بآخر ” إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ” وهو اسحق، لذا تميز نسل إسماعيل بالأخلاق الحميدة والصفات الطيبة ، فيما غلب على نسل إسحق العلم واتقان الصنعة.
حينما وعده تعالى بأن يكون في نسله النبوة استثنى منه الظالمين، لذلك كان أسحق وابنه يعقوب عليهما السلام يوصون أبناءهم باتباع ملته، لأن من يرغب عنها فقد سفه نفسه فأنزل نفسه منزلة الظالمين الذين لن ينالهم عهد الله لإبراهيم.
من هنا نفهم أنه في سابق علم الله كان يعلم أنه سيكون من هذه الذرية ظالمون جاحدون بأنعم الله مثلما سيكون صالحون مؤمنون، بداية ذلك كانت في تآمر أبناء يعقوب(إسرائيل) عليه السلام للتخلص من أخيهم يوسف بدافع الحسد، فأنجاه الله من كيدهم ومكن له في مصر، ورغم ذلك سامحهم بل استقدمهم وأباه من عيشة البداوة الى الحياة المنعمة.
هناك بدأ التمايز في تحول معظم بني إسرائيل عن ملة آبائهم يعقوب وأسحق وإبراهيم، فأضاعوا الدين واتبعوا الشهوات، وأعماهم الجشع فأنكروا حق الله في أموالهم (الزكاة)، ومنهم كان قارون الذي جمع ثروات هائلة لكنه رفض أداء زكاتها زعما أنها تحصلت بعلمه ومهارته، فجعله الله آية لقومه حينما ابتلعته الأرض وقصره وأمواله.
من بعد يوسف وأخيه بنيامين، ازدادت الفئة الظالمة من بني إسرائيل بعدا عن الله فأضاعوا فرائض العبادة، فسلط عليهم من لا يخافه ولا يرحمهم وهو فرعون فأذلهم زمنا طويلا، لكن ظلت سلالة اسحق المباشرة نقية تتوارث النبوة في تسلسل خيطي ويحافظون على الدين ويعانون في سبيل ذلك العنت من الأغلبية الباغية ، والتي سيكون إسمها فيما بعد اليهود.
من هنا يجب التفريق بين بني إسرائيل كعائلة ملتزمة بدين الله ممتدة عبر العصور، وبين اليهود الذين انسلخوا عنهم عبر أجيال إلى ان أصبحوا معادين لهم، فكلما ظهر نبي إما كذبوه أو قتلوه، ويمكننا القول أنه بات لدينا فرعان لقوم يعيشان معا لكنهما مفترقان في العقيدة والمنهج.
ومن أجل أن تتحقق كلمة سبقت من الله بأن تستمر هذه الفئة المؤمنة القليلة في البقاء الى أن يصل التسلسل النبوي الى منتهاه بولادة آخر هذه الذرية ، من أجل ذلك أبقى الله هؤلاء القوم فلم يسحتهم بعذاب ماحق مثلما فعل مع أمم خلت، حتى ينتقلوا الى فلسطين حيث سيظهر هنالك آخر انبياء بني إسرائيل، وهو المسيح ابن مريم عليهما السلام.
وسنكمل بإذن الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى