بِرّاً بأُمّ الجامعات / هبة إميل العكشة

بِرّاً بأُمّ الجامعات

يوم أمس ذهبت إلى إذاعة الجامعة الأردنية كجزءٍ من التدريب العمليّ في دبلوم الإعلام الذي أدرُسه حالياً … الغريب في الأمر أنني لم أشعر بأي حنين تجاه جامعتي التي فارقت مقاعدها الدراسية قبل عدة أشهر !!! شعرت كأنني غريبة تماماً عن هذا المكان …و كأنني لم أمش يوماً في شوارعها .. لم أجلس على أدراجها القديمة … لم أحتسِ قهوتها …كأنني لم أكن هناك يوماً …
بدت تجربتي هذه مختلفة تماماً عن تجربة العديد من الأشخاص الذين سبقوني إلى هناك ..و ما زالوا حتى اللحظة يحنّون إلى أيام الدراسة في الجامعة الأردنية , أو كما يحبون أن يسمونها …” الجامعة الأم”.
و بدأت أفكر ملياً في السبب الذي جعلني أفقد الارتباط بهذا المكان الذي قضيت فيه أربع سنين من عمري …فأنا بطبيعتي أتعلق بالأماكن و أحن إليها و لذكرياتها… فكيف لهذا المكان أن لا يعني لي شيئاً على الإطلاق !!!

لم أفكر طويلاً في الأمرفأنا لم استمتع يوماً واحداً في تلك الجامعة حسبما أتذكّر, و أظن أني بكيت في حياتي الجامعية مقدار ما بكيته في طفولتي كاملةً … فعندما أتذكر الجامعة أتذكر المعاناة التي كنت أواجهها في دراسة المواد …فأنا لا أبالغ إذا قلت بأنه في كل فصل و من بين كل ستة أساتذة كان هناك أستاذٌ واحدٌ أو أستاذان على الأكثريعّلمان بضمير , دراستي في مجملها كانت جهداً شخصياً … و ليس هناك من الجأ إليه .. فهناك قسم من الأساتذة كان تعاملهم اللئيم يمنعني من طلب مساعدتهم و قسم آخر كنت أشعر بأنني أقدرُ منهم على شرح المادة .

تعلّمت أيضاً على يد أساتذة ينسخون محاضراتهم من جوجل ,هناك دكتور مثلاً كان يأتي للمحاضرة و معه رزمة أوراق تبدو و كأنها طُبِعت للتو و يبدأ بالنسخ منها على السبورة , ما زلت أذكر إحدى الدكتورات التي كانت تحدثنا ليل نهار عن المبادىء لنكتشف لاحقاً أن المادة التي كانت تدرّسها ما هي إلا محاضرات لدكتورة أخرى في إحدى الجامعات الامريكية !! مع تأكيد “صاحبة المبادىء” لنا في بداية الفصل على أن المادة هي تجميعها و تلخيصها للكتب العديدة التي قرأتها.

هل تريدون مزيداً من المفاجآت ؟!! هناك أساتذة كبار في”الجامعة الأم” يرقصون و يغنون و يؤدون بعض المشاهد التمثيلية أمام الطلبة في المحاضرات …و هناك أساتذة كانوا يتلفظون بمصطلحات تخدش الحياء أعجز عن البوح بها.

أما إذا أردت عن أتحدث بشكل عام عن تجهيزات الجامعة و بنيتها التحتية . فالجزء الأسوأ بالنسبة لي كان مختبرات كلية الكيمياء القديمة و أدواتها التي لا أستبعد ان والدتي استخدمتها عندما درست هناك قبل 25 عاماً .. فكنت دائماً أجلب معي القفازات إلى المختبر ليس خوفاً من المواد الكيميائية فقط بل و الصدأ الذي طال كل شيء هناك… أما دورات المياه – فحدّث ولا حرج- عليكم فقط أن تتخيلوا الآثار الصحية السلبية لعدم القدرة على الذهاب إلى الحمّام لمدة عشر ساعات تقريباً بسبب الوضع المزري لدورات المياه. وأخيراً و ليس آخراً حال شوارع الجامعة الغارقة في فصل الشتاء و الذي يذكّرك بمدينة البندقية الإيطالية مع لمسة من الطين و المياه العادمة .

هل هناك أشياء لم أذكرها بعد ؟؟؟ نعم , هناك الكثير… فأنا إذا أردت أن ألخص تجربتي في الدراسة في الجامعة الأردنية سأحتاج إلى تأليف كتاب … يؤلمني كثيراً ما حدث لجامعتي و ما يحدث لها الآن, فما شاهدته في اليومين الماضيين من نزاعات بين أبنائها الطلبة و استخدام للأسلحة البيضاء ينبئ بأن الجامعة لم تعد مكاناً آمناً أيضاً.

إن زيارتي إلى الجامعة الأردنية بعد فترة قصيرة من تخرجي منها جعلتني أنظر إلى الأمور من زاوية أخرى , فأنا ككثيرين غيري أفتخر بتخرجي من تلك الجامعة التي كنت أتمنى طوال عمري أن أكون من خريجيها , لكن يبدو أن فخرنا بالأشياء يعمي بصرنا عن عيوبها, لذلك فإن افتخارنا الدائم بجامعتنا أخّرنا عن تطويرها أو على الأقل الحفاظ عليها. فبراً بجامعتنا الأردنية … براً بأمّ الجامعات.
هبة إميل العكشة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى