هل تتم تنمية شرق عمان بحرق النفايات / م . فرحان الدبوبي

هل تتم تنمية شرق عمان بحرق النفايات
م .فرحان الدبوبي / رئيس جمعية شرق عمان للحمايه البيئيه.
أعلن معالي رئيس لجنة امانه عمان عن توقيع اتفاقية توليد للكهرباء من حرق النفايات في مكب الغباوي في منطقة الماضونه / الغباوي شرق عمان ليضيف بذلك مصدرا جديدا للتلوث البيئي وتعميق التدهور البيئي والاجتماعي والتنموي والصحي والاقتصادي في شرق عمان لمئات المشاريع المدمره التي نعاني منها اصلا .
تساهم النفايات بشكل كبير جدا في انبعاثات غازات الدفيئة والتغير المناخي، ويرجع ذلك أساسا إلى انبعاثات غاز الميثان من مكبات النفايات كما وتساهم محارق النفايات أيضا بشكل مباشر في تغير المناخ بسبب ارتفاع مستوى انبعاثات غازات الدفيئة لكل وحدة من الكهرباء المولدة حتى عند مقارنتها بالكهرباء من محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم والنفط.
على مدى عقود كانت هذه الصناعة سيئة السمعة باعتبارها أعلى مصدر معروف للتلوث العالمي بالديوكسين – واحدة من المركبات الأكثر سمية وتم اعتبارها الصناعة القذرة المحفوفه بسجل حافل من تلوث الهواء والحوادث على الرغم من قيام هذه الصناعة بإعادة تسمية نفسها بأسماء زاهيه براقه لاخفاء الصفه الاساسيه لها (مصنع “الديوكسين”) وتقديم نفسها كحل “نفايات إلى طاقة” وانتاج الطاقه الخضراء والتخلص من النفايات ومكبات النفايات.
من المستحيل تجاهل حقيقة أنه في حين أن جزءا ضئيلا من النفايات التي يتم حرقها في المرامد لتوليد الطاقه هي من أصل حيوي (50%)، فإن الأغلبية تتكون من مواد بلاستيكية ومواد أخرى تشكل مركبات شديدة السمية مثل الزئبق والديوكسين، والتي تصدر إما إلى الغلاف الجوي كانبعاثات أو إلى التربة من خلال إلقاء الرماد الملوثة للبيئة وتسبب آثار صحية خطيرة للعديد من المجتمعات المحلية.
إن حرق المواد الحيوية مثل الكتلة الحيوية الزراعية أو الجزء العضوي من النفايات البلدية ينبعث عنه كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي الذي لا يميز بين ثاني أكسيد الكربون المنبعث عن حرق الوقود الأحفوري او عن حرق النفايات كما وبينت التجربة العالمية لمحارق النفايات لعدة عقود تسجيل حوادث خطيرة مثل تلوث الهواء والتأثير على صحة الإنسان وسمية المواد.
إن بناء وتشغيل مرامد حرق النفايات يعتبر مكلف جدا وكثيفة الكربون، وغير موثوقة، وملوثة، وغير مستدامة وغير مرنة ولا تستند إلى استعادة الموارد وتوليد الكهرباء.
إن ترميد النفايات تحت ستار تحويل “النفايات إلى طاقة”، يبقى يمثل (مصانع للديوكسين) ولا يمكن أبدا أن يكون مستداما بيئيا، وينتج القليل من الطاقة الغير متجددة وكونها تعمل لا يعني أنها مقبولة اجتماعيا أو تؤدي إلى أي فوائد بيئية أو اجتماعية.
لو قارنا الطاقه الناتجه عن مرامد حرق النفايات بتلك الناتجه عن حرق الوقود الاحفوري لوجدنا بأن انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن محارق النفايات المولدة للكهرباء، هي ألاعلى مستوى من جميع التقنيات الاخرى (فينتج حوالي 3000 باوند من غاز ثاني اكسيد الكربون لانتاج واحد ميجاواط عن طريق حرق النفايات مقارنه مع 1700 باوند باستخدام حرق الفيول والديزل لانتاج نفس كمية الطاقه).
يؤثر مجموع ثاني أكسيد الكربون المنبعث من آثار مرامد النفايات على الغلاف الجوي الذي لا يميز بين انبعاثات ثاني اكسيد الكربون الناتجه عن النفايات البيولوجيه وغير البيولوجية. وان تفسير البروتوكولات المحاسبية لغازات الدفيئة للمطالبة بأنها تنتج “طاقة متجددة” وتخفف من تغير المناخ هي خدعه متعمده من بعض الدول.
فإنه ليس من المنطقي أن نحرق نفاياتنا وأن نتخلى عن فرص إيجاد حلول أبسط غنية بالاستثمار الاجتماعي وأن نوفر استراتيجية طويلة الأجل تسمى “نموذج النفايات الصفرية” ذات منافع بيئية مثل إعادة التدوير والتسميد توفر الوظائف الخضراء وتزيد من نسبة العماله، وتوفر فوائد صحية وبيئية على المدى الطويل وتوفر الطاقة والمياه، وتعزز الزراعة وتعظم استرداد الموارد المستدامه.
حاول مؤيدو استخدام محارق النفايات لتوليد الطاقه التمييز بين المحارق ‘القديمة’ والتقنيات ‘الجديدة’ الا ان معظمها لا يزال يعاني من سجل بيئي ضعيف في حين أن معايير نوعية الهواء الأكثر تشددا قد أرغمت محارق النفايات على زيادة ضوابط التلوث (وخاصة بالنسبة للديوكسينات) فإنها لا تزال مسؤولة عن تصريف مجموعة كبيرة من الملوثات الجوية وحوادث إطلاق الديوكسين الذي لا تتوفر امكانية قياسها محليا.
إن حرق النفايات لا يعتبر لا يعتبر طاقة متجددة ويساهم فعليا في تغير المناخ من خلال إطلاق ثاني أكسيد الكربون الكبير والآثار البيئيه الأخرى وإن محارق النفايات تقوض إعادة التدوير، مما يخلق عبئا اقتصاديا ثقيل وتقوم بتحويل الموارد القيمة إلى طاقة قذرة وتلوث أثناء توليد النفايات الخطرة.
ينبغي أن يبدأ استرجاع الموارد “التكنولوجيا الباردة” في الظهور بما في ذلك التسميد وإعادة التدوير والهضم اللاهوائي على نطاق واسع لتقليل البصمة الكربونية وتوليد الوظائف الخضراء وتعزيز الزراعة وتخفيض كمية النفايات، واستعادة الموارد العضوية كوسيلة للحد من انبعاثات غازات الدفيئة من المكب.
ان أكبر عائق أمام إنشاء مرافق استرداد الموارد هو التكلفة حيث إنشاء هذه المحارق الاغلى نظرا لارتفاع نفقات أنظمة مكافحة تلوث الهواء (Air Pollution Control) وإن الاستثمار في أنظمة مكافحة تلوث الهواء يعتبر مصروف رئيسي يمكن تجنبه دائما عندما يتم تحويل المواد العضوية من تيار النفايات إلى السماد والهضم اللاهوائي بدلا من المحارق وكثيرا ما تتحمل جميع مرافق معالجة النفايات على نطاق واسع نفقات التحكم في الروائح والغبار ، بالاضافه لأجهزة الغسل والفلاتر القياسية العالية التي يجب تركيبها في المحارق لمنع الانبعاثات غير الخاضعة للرقابة.
ان معظم محارق النفايات الحديثة لا تزال تمثل مصادر رئيسيه لانبعاثات الهواء السامه الخطرة التي يصعب السيطرة عليها. ويمكن لبعض الملوثات مثل الزئبق والديوكسينات والهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات أن تسافر مسافات بعيدة وتساهم في التلوث على المستوى العالمي، فضلا عن تلويث التربة المحلية وإنتاجها .
هناك اثاركبيره وخطيره جدا ناتجه عن انبعاثات الهواء السامة من مرامد حرق النفايات على صحة وحياة الإنسان. ولكن لهذه الانبعاثات السامة فترة تأخير كبيرة قبل أن تظهر آثارها على الصحة البشرية وقد ظهرت مؤخرا دراسات علمية واضحة تعترف بحجم الآثار الصحية العامة الناجمة عن محارق النفايات وفي دراسه تم فحص نسبة الديوكسين في عينات دم لنساء ورجال يقطنون ضمن مسافة (5) من مرمدة حرق نفايات وتبين بانها كانت (81-150 Pg TEQ/g ) مقارنه مع النسبه الطبيعيه (15-29) مع استخدام كل وسائل ومعدات السيطره على الملوثات المنبعثه من المرمده.
تحاول صناعة حرق النفايات تعزيز نفسها كحل بديل يوحي بأن اعتماد حرق النفايات لإنتاج الكهرباء يمكن أن يحل محل الحاجة إلى مكبات النفايات وهذا أمر مضلل على نحو خطير حيث تنتهي جميع محارق النفايات الصلبة البلدية بحوالي (30%) من وزن النفايات الأصلي على شكل رماد ملوث يحتوي على الديوكسين والكيماويات السامه والمعادن الثقيله وال “PCB, POP, Furans,….” لذلك لا يمكن ان تتوافق صناعة حرق النفايات مع برامج “صفر نفايات”.
يتم انتاج ما يقارب “300 كغم” من الرماد الملوث “Fly & Bottom Ash” الذي يحتوي على “Dioxin, POPs, PCBs, Furans” وما يقارب “50 كغم من الكيماويات السامه والمعادن الثقيله”عند حرق “1000 كغم” من النفايات الصلبه.
نوصي بأن ترفض الحكومة ترميد النفايات وتتبنى سياسة وطنية لتعزيز تجنب النفايات واسترداد الموارد التي تشمل دعم وتحفيز “التقنيات الباردة” مثل اعادة التدوير والتسميد والهضم اللاهوائي ” anaerobic digestion” واعتماد مبدأ عدم وجود نفايات “Zero Waste” في التشريعات وتعديل أي تشريعات أو أنظمة أو مخططات أخرى لازالة الإعانات والفوائد والحوافز لحرق النفايات التي من شأنها أن توجه بخلاف ذلك إلى مصادر الطاقة المتجددة الخالية من الكربون..
كما وينبغي على الحكومة أن تفرض ضريبة على الكربون بحيث تجعل جميع الملوثين الكبار لغاز ثاني أكسيد الكربون أن يدفعوا ثمن انبعاثاتهم الكربونية بسعر للطن الواحد من ثاني أكسيد الكربون وهذا سيؤدي الى اخضاع جميع مكبات النفايات لدفع ضريبة الكربون مما سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة التخلص من النفايات إلى مكب النفايات في حالة عدم معالجتها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى