المحامي المجالي يكتب .. مدى مشروعية تعليمات الهيئة المستقلة للانتخاب الخاصة بالأحزاب!

مدى مشروعية #تعليمات #الهيئة_المستقلة_للانتخاب الخاصة بالأحزاب!

كتب .. #المحامي_محمد_أحمد_المجالي

أصدر مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للإنتخاب التعليمات التنفيذية الخاصة بتأسيس #الأحزاب السياسية ومتابعة شؤونها لسنة 2024 سندا للبند 8 من الفقرة أ من المادة 9 من #قانون_الأحزاب_السياسية ونشرت التعليمات في عدد الجريدة الرسمية رقم 5908 تاريخ 15/2/2024.
وبالإطلاع على التعليمات المذكورة نجد أنّها تفرض على الأحزاب السياسية الساعية للتأسيس أو التي هي تحت التأسيس أو الأحزاب القائمة أحكاماً وشروطاً وإجراءات لم ترد في الدستور أو في قانون الأحزاب السياسية، وعلى سبيل المثال لا الحصر:

  1. اشتراط أن يكون مقر الحزب الرئيسي في العاصمة عمان المادة 3/ب.
  2. عدم اعتبار نسبة الإناث من فئة الشباب من النسبة المطلوبة من فئة الشباب المادة 5/أ/1.
  3. إلزام المؤسسين بتقديم طلب يتضمن أماكن مقترحة لعقد المؤتمر التأسيسي واشتراط أن يكون في العاصمة عمان واشتراط موافقة أمين سجل الأحزاب على تحديد المكان المادة وعدم الإعلان عن المؤتمر إلا بعد أخذ موافقته المادة 6.
  4. عدم البدء بفعاليات المؤتمر التأسيس إلا بعد موافقة أمين سجل الأحزاب المادة 7/د.
  5. اشتراط تقديم شهادة عدم محكومية لكل عضو منتسب للحزب المادة 9/ب/2.
  6. اعتبار تاريخ توريد بيانات العضو ووثائقة لأمين السجل هو تاريخ انتسابه للحزب المادة 9/ج.
  7. إضافة شروط واجراءات ووثائق على الأحزاب الراغبة في الاندماج واشتراط صدور قرار اعلان الاندماج من مجلس المفوضين المادة 10. (لم ترد في القانون في المادة 32)
  8. عدم تطبيق أحكام المادة 11/أ/6 من القانون على الأحزاب الناتجة عن اندماج الأحزاب (اشتراط حضور أغلبية المؤسسين في المؤتمر التأسيسي (لا لزوم للمؤتمر) المادة 10/د.
  9. اشتراط صدور قرار من مجلس المفوضين بخصوص تحالفات الأحزاب في الانتخابات المادة 14/أ ( لم يشترط القانون ذلك في المادة 31).
  10. إضافة أحكام بخصوص الاستقالة من الحزب لم ينظمها القانون المادة 18.

ولمعرفة مدى مشروعية مثل هذه الأحكام والشروط والإجراءات فيما إذا كانت تتفق أو تخالف أحكام الدستور والقانون أو تخالف قواعد الإنضباط التشريعي وقواعد التدرّج أو التسلسل الهرمي للتشريعات، لا بدّ من التأكيد إبتداءًا على المبدأين التاليين والمعتبرين قانوناً وفقهاً وقضاءًا:

  1. مبدأ سموّ الدستور فلا يجوز لأي تشريع سواء كان قانوناً أو نظاماً أو تعليمات أو قرارات تنظيمية أن تخالف أحكام الدستور أو التشريع الأعلى منها مرتبة، ومن مقتضيات هذا المبدأ أيضاً أن التشريع الأعلى إذا انبرى بنفسه لوضع أحكام وقواعد تشريعية وقام بتحديد وحصر الضوابط والشروط الموضوعية أو الشكلية لهذه القواعد والأحكام فلا يجوز للتشريع الأدنى أن يُضيف ضوابط وشروط جديدة زيادةً على ما قرره التشريع الأعلى.
  2. احترام الفصل بين السلطات وحصر سلطة التشريع بالسلطة التشريعية وفق المادة 25 من الدستور (تناط السلطة التشريعية بمجلس الامة والملك) وبالتالي عدم صحة تمكين أو تفويض السلطة التنفيذية بأي صلاحية تشريعية وفق الدستور الأردني إلا في موضعين فقط وبحدودهما هما حالة الطوارئ والأحكام العرفية في المادتين 124 و125 والتقسيمات الإدارية في المملكة وشؤون الإدارة العامة والموظفين في المادة 120 من الدستور، وبغير هاتين الحالتين لا يجوز للسلطة التنفيذية والإدارات العامة ممارسة أي عمل تشريعي ويقع باطلاً ومخالفاً للدستور أي تفويض ورد في أي قانون يخوّل مجلس الوزراء أو الإدارات العامة إصدار الأنظمة والتعليمات ذات الصبغة التشريعية أو تضمين الأنظمة والتعليمات التنفيذية التي تصدر عنها أحكاماً تشريعية أو إضافة شروط وضوابط جديدة على أحكام حدّد الدستور بنفسه أو القانون شروطها وضوابطها.
    وتأسيساً على هذين المبدأين نجد أنّ التعليمات التنفيذية الخاصة بتأسيس الأحزاب السياسية ومتابعة شؤونها لسنة 2024 قد خالفت المبدأين المذكورين من وجهتين:
    الوجهة الأول: أن الدستور بنفسه في الفقرة 3 من المادة 16 من الدستور حدد بشكل واضح نوع التشريع المُختص بتنظيم طريقة تأليف الأحزاب السياسية ومراقبتها مالياً فأسند ذلك إلى القانون فقط وليس إلى الأنظمة والتعليمات حيث جاء النص الدستوري كما يلي: (يُنظّم القانون طريقة تاليف الجمعيات والنقابات والاحزاب السياسية ومراقبة مواردها ) وبالتالي فإن جميع المسائل التشريعية التنظيمية الخاصة بالأحزاب من حيث طريقة تأليفها ومتابعتها ومراقبتها هي من اختصاص السلطة التشريعية فقط وفي حدود النص الدستوري ودون توسّع وعن طريق القوانين فقط وفقاً للإجراءات الدستورية، وأية مسائل تشريعية تنظيمية خاصة بالأحزاب تصدر بموجب أنظمة أو تعليمات تكون مخالفة للدستور وباطلة بطلاناً مطلقاً.
    الوجهة الثاني: أنّ قانون الأحزاب السياسية رقم 43 لسنة 2022 وإن أعطى لمجلس الوزراء في المادة 41 منه صلاحية إصدار الأنظمة لتنفيذ أحكام القانون، وأعطى مجلس مفوضي الهيئة المستقلة في المادة 9/أ/8 صلاحية إصدار التعليمات لتنفيذ أحكام القانون والأنظمة الصادرة بمقتضاه، فإن هاتين الصلاحيتين مقيّدتين بمهمّة مُحدّدة تتمثّل بتنفيذ أحكام القانون والأنظمة حصراً ولا يجوز ممارسة هاتين الصلاحيتين بحيث تضيفان أحكام تنظيمية جديدة لم ترد في القانون أو تزيدان ضوابط وشروط جديدة لم ترد في تلك الأحكام، لأننا نكون في هذه الحالة قد خرجنا بالغاية من الأنظمة والتعليمات من حدود تنفيذ الأحكام التشريعية إلى حالة فرض أحكام تشريعية جديدة على الأحزاب السياسية لم يفرضها القانون صاحب الإختصاص الحصري بفرضها بموجب الدستور وفي حدود المسائل التنظيمية التي أجاز الدستور أصلا تنظيمها بالقانون، وهي تنظيم المسائل المتعلقة بطريقة التأليف ومراقبة الموارد المالية فقط، وحتى القانون لا يجوز له دستورياً تنظيم مسائل غير هاتين المسألتين فقط لأن الدستور كان واضحاً في حصر دور واختصاص القانون في تنظيم مسألتي طريقة التأليف ومراقبة الموارد المالية لا غير.
    ومن ناحية أُخرى فإن النصّ في قانون الأحزاب السياسية على صلاحية مجلس الوزراء باصدار الأنظمة اللازمة لتنفيذ أحكام القانون وعلى صلاحية مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للإنتخاب بإصدار التعليمات اللازمة لتنفيذ أحكام القانون والأنظمة الصادرة بمقتضاه هو أمر ضروري تشريعياً وواقعياً، لأنّ تنفيذ أحكام القانون يتطلّب من دوائر الدولة ووزاراتها وأجهزتها ومن الهيئة المستقلة للإنتخاب اتخاذ إجراءات وإصدار قرارات وتحديد مهام دوائرها ومديرياتها وأجهزتها في سبيل تنفيذ أحكام القانون وأن تتعاون معاً لتنفيذه على الوجه المطلوب وهذه المسائل تتطلب من مجلس الوزراء ومجلس المفوضين إصدار الأنظمة والتعليمات اللازمة وتحديد المهام والإجراءات المطلوبة من الدوائر التابعة لكلٍّ منها لتنفيذ أحكام القانون، بمعنى أن هذه الأنظمة والتعليمات تصدر لغايات إلزام الأجهزة والدوائر التابعة لها بأداء المهام المطلوبة منها وليس لإلزام الأحزاب السياسية بأحكام وشروط ومحددات وضوابط لم ينص الدستور والقانون على فرضها عليها أصلاً، فالعلاقة الرسمية وأو التنظيمية المُلزمة ما بين الأحزاب السياسية ودوائر الدولة المختلفة بما فيها الهيئة المستقلة للإنتخاب مرجعيتها التشريعية للدستور والقانون فقط، أما الأنظمة والتعليمات فهي مُلزمة للجهات الرسمية التي أصدرتها وللأجهزة التابعة لها وحسب.
    وحيث أنّه من الواضح تماماً أنّ التعليمات التنفيذية الخاصة بتأسيس الأحزاب السياسية ومتابعة شؤونها لسنة 2024 ومن خلال الأمثلة العشرة التي ذكرناه أعلاه هي إما أحكام تشريعية وتنظيمية جديدة لم ينصّ الدستور وقانون الأحزاب عليها أو شروط وضوابط وقيود إضافية على الأحكام المنظّمّة في الدستور والقانون وتهدف إلى إلزام الأحزاب السياسية بها فهي والحالة هذه ممارسة تشريعية ليست من صلاحيات مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للإنتخاب بل هي من صلاحيات السلطة التشريعية وفق الدستور، وبالتالي فإن هذه التعليمات تكون مخالفة للدستور والقانون.
    وبناءًا على ما تقدّم فإنني أقترح على مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للإنتخاب إلغاء هذه التعليمات إلتزاماً بالقانون ومبدأ المشروعية ومبدأ الفصل بين السلطات، وألفت نظر مجلس النواب الموقر والسادة النواب إلى هذه التعليمات بما تمثله من اعتداء على سلطة التشريع باعتبار مجلس النواب الركن المحوري في هذه السلطة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى