ذاكرة مواسم البطيخ / نبيل عماري

ذاكرة مواسم البطيخ

….. كان موسم البطيخ يبدأ في منتصف حزيران فتبدأ سيارات البطيخ ترد إلى مدينة الزرقاء وكأن رائحة الطفولة لها علاقة بالبطيخ والذي كان يزرع في أرضنا ( العوجا ) في مدينتي الحصن وكما يشتهر سهل حوران بزراعة القمح والعدس والحمص فأنه يشتهر بزراعة البعليات الصيفية من الفقوس والجعابير والباميا الحمراء والسمسم والبطيخ ودخان التتن رافداً لختيارة زمان كنا في الثامنة من العمر ننتظر الذهاب للحصن للحصيدة ولمواسم القثاء نفرح بقدوم الصيف والمراح وحسب المثل بساط الصيف واسع . ف البطيخ مرتبط في الصيف والحر حين تمتزج رائحة الجبنة البيضاء بالمستكا برائحة البطيخ الأربدي او الجنيني او الحلبي القادم من سورية فهو اهنى عشاء . وكوني كنت من سكان الزرقاء فأننا بالحارة ننتظر السيارة او العرباية حيث يباع البطيخ بالحبة حسب كبرها فالصغرى بتعريفة لغايات أكل لبها وعمل فانوس بالبطيخة عن طريق تقويرها ونحتها بعدة رسومات وربطها ثلاثياً بخيط مصيص ووضع شمعة مضوية داخل حبة البطيخ والسير فيها ليلاً وكلما كبرت البطيخة ازداد سعرها لتصل شلن للوسطى و10 قروش بريزة للكبرى منها وع السكين وكثيراً ما يخسر بائع البطيخ حين يكون البيع ع السكين فترى أمتعاض منه حين تكون البطيخة زهريه او بيضاء وكان شراء البطيخ بأعداد كبيرة قد تصل إلى 15 بطيخة توضع تحت تخوت النوم الحديدية وغالباً عندما يراد شقح بطيخة ينزل أحد الأطفال تحت التخت لأحضار بطيخة فتصطدم رأسه ب~اسلاك خارجة من سرير الحديد فيبدأ بالصراخ . فبطيخ الماضي كان له رائحة وطعم ولون جميل وبزر اسود كبير يقلى فتفح رائحتة تعبق في أرجاء الدار والحارة . ومع جو الزرقاء الحار يبرد البطيخ الجسم ويرطبه وهو حسب قول الفلاحين يطشطش على القلب . وكان عند شقح البطيخة تجتمع العائلة لتبدأ مراسم الشقح بدائرة فوقية وحزوز والكل ينتظر اللب وهنا تبدأ ما يسمى الشروطه حسب اللهجة الأردنية شروط يشروط أي يأكل البطيخ بالحزوز بما يسمى مونيديكا العزف على البطيخ حين ينتشر ماء البطيخ على الأواعي وتلك تسمى الشروطه . كانت رائحة البطيخ تصل كل بيوت الناس وخاصة عندما تصل تثاقلا في رأس المنعطف الذي يعود بهما الى الشارع الرئيس ريثما يخلو الطريق قليلاً فمرت أمامها عربة حمل قديمةٌ تترنح تحت حمولة من البطيخ القادم من مقاثي اربد المغطى بالحشائش .. هبت عليهما رائحة لذيذة كأنها قادمةٌ من حقولٍ مسحورة.. خليط من رائحة البطيخ والتراب الأحمر ممزوجة بنسمة من هواءٍ الغروب القادم ربما من مسطح مائي قريب. اظنه نهر الزرقاء النظيف أنذاك ليشبع صدور الناس من الرائحة اللذيذة: لتصل لبقالة الحاج مصطفى ابو الرب محملاً مع البطيخ رائحة الفقوس والجعابير والحروش والبامية الحمراء وكذا محمد الجرادات وابو هاني يضعون اكوام البطيخ عند مدخل الدكاكين وفي غفوة منهم خلف الميزان يتم سرقة ما طالته اليد من اكوام البطيخ فهي تجارة خاسرة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى