
أكتب
د. خالد الفهد مياس
أكتبُ اليومَ وأنا تتنازعني فكرتان: فكرةُ اللجوء إلى عوالم الخيال من أجل النجاة من حبائل الواقع الحتمية، وفكرةُ النسيان التي تبعدني عن تذكر الواقع الذي يهز الوجدان، ويكاد يطيح بالقلب المفعم بِنُدَبِ الحياة المريرة المُضَبَّبة بالظلامية وسواد النوايا.
أكتب لكل مكلوم القلب حزين، حيث تُحَمِّلُهُ الحياةُ ما لا يُطيق وتفرض عليه الحالةُ أكثرَ مما يستطيع حمله، ولكلِّ جريح الجنان مكبوح النفس يُرى بأعين الناس راضيًا وهو ليس كذلك.
أكتب في زمن المتناقضات، حيث الناس ذوو الوجوه الوفيرة، الذين يأتون هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه، وإن بدا لهم آخرون أتوا بوجه ثالث ورابع وخامس، لا يأبهون إن كشفتَ حالَهم، ولا يستحيون إن عرفتَ سرَّهم، ولا تأخذُهُم في الأعمال المشينة لومةُ لائم.
أكتب وأنا تتملّكُني الغصةُ تلو الغصة، أكاد لا أقوى على الكتابة غيرَ أنّ قلمي يأخذُ بيدي لتجعلَهُ يرسُمُ الحروفَ عنوةً من أجل أن يبدِّدَ ظلماتِ الحزن وسوادَ الخيبات، ويزرعَ في النفوسِ الأملَ والحبَّ والحنانَ لِتستقيمَ الحياةُ بحلاوتِها وطلاوتِها وجمالِها وجلالِها، لأنّ الحياةَ تستحقُّ منّا أنْ نكونَ صادقينَ حاملينَ للحبِّ مُفْعمينَ بالأملِ لكي يستمرَّ الركبُ في طريقه إلى برِّ الأمانِ وسفحِ الاطمئنان.
بَقِيَ أنْ أقول: ليس من شيءٍ نستفيدُ مِنْهُ ونفيدُ مِنْهُ سوى الصدقِ وحبِّ الناسِ وخدمتِهِمٰ والصبرِ على المصائبِ وتَحَمُّلِ النوائب وبثِّ روحِ الأملِ وحبِّ الحياةِ فيما بيْنَنا.