د. حسام العودات
سنغافوره يا جنّة بطيب أهلها قبل السهل والوادي والشجر , نظيفة كبياض الثلج فوق أغصان كانون , وهادئة كمخطوبة وقد توارت من خجل القبول ..
زرتها عام 1993 والشوق يهديها بياض الاستسلام في راياتي , ثلاثة أيام في ربوعها كادت أن تئد الحنين وأنا في غربة عن أهلي منذ سنين .
وكعادة العربي وقد صرعته الحضارة , فلا بد للسير من أزمة في حضوره , فنحن كائنات تبعثر رفوف الأسواق دون شراء , ودون أن تكلف نفسها عن عناء التاجر أي اعتذار .
وفي طريق العودة للفندق بعد يوم عصيب على التجار في تلك المدينة المنكوبة بسائحها , شد ناظري قميص على بترينة في واجهة لأحد المتاجر , فكان حالي كمن يطير فوق برمودا , لأجد نفسي داخل المتجر , رغم بقايا نقودي وقد غابت الأصفار عن أوراقها .
أعجبني القميص حد الهيام , لكن حجرتي في الفندق ما زالت بلا مهر , وها هي ضريبة المطار , والتكسي الى مضاربه تصارع القميص في دنانيري وهي تحتضر .
اعتذرت عن الشراء كمن يودي بربيع العمر في حضرة وداع سرمدي , لكنهم كانوا يجهزون القطعة تلو القطعة , عسى أن يعجبني شيء من فاخر الماركات في بضائعهم , فهم أمام زبون ليس كباقي البشر , وقد اعتقدوا زورا أنني سليل الأباطرة وقد اعتادت أجسادهم على لمسة الحرير .
تسع تحف من القمصان قد لبستها حياء” , وكل واحدة منها من أصابع المخمل أجمل ,وكم تمنى قدّي لو يرتديها ويرحل , خاب رجاؤهم , فقد اخفيت عنهم بريق الاعجاب في حدقاتي , وها هي القمصان عن مشانقها لن تترجل.
تصبب عرقي غزيرا , وتوردت خدودي خجلا مما كنت فيه , لكنني لم أغامر بالشراء ونقودي على شفير الهاوية كعادتها , فهممت بالمغادرة قبل أن يوقفني صوت البائع قائلا : نعتذر منك كثيرا , فلم يوجد لدينا من البضاعة ما يعجبك .
قتلني بكلماته , فلو كان الخطب في بلادي لكنت ممن يحصلون على سيارة بلا جمارك .