قرود الأردن / د. سعيد المومني

قرود الأردن
د. سعيد المومني

للمصائب و البلاوي في الأردن مختصرات مبكية و غالباً ما تتميز به هذه البلاوي بمختصرات رديفة مضحكة ، و كأن للضحك و البكاء توأمة نادرة في حياة الأردنيين التي يطول سردها ، و لكن عبقرية الفنان الياباني الذي ابتكر لنا شخصيات القرود الثلاث : ( لا أسمع ) ، ( لا أرى ) ، ( لا أتكلم ) ، واحدة من أبرز هذه المختصرات للبلاوي و تاجها اللامع لما يجري اليوم في الأردن .

فمن أخذ على عاتقه أن ( لا يسمع ) لمطالب الشارع ، يطلق التصريحات هنا و هناك و يتحدث عن الديموقراطية و حرية التعبير عن الرأي التي فارقت معناها مع هراوات الأمن على الرابع ، و يتغنى بدولة الإنتاج التي تأسس اقتصادها على انتاج الألبان و الأجبان و القطين و مقاهي الشدة ، و يؤكد على دولة سيادة القانون فيما زال هروب مطيع و الكردي بحاجة لطقم شيوخ لكي يستطيعوا فك الحجاب عن أسرار هروبهم ، و يتحدث عن مشروع نهضوي و ما زالت بعض المؤسسات تعيش في مرحلة القرون الوسطى .

أما من ( لا يرى ) فهو متمسك بأسلحته باحثاً عن أعداء كالأشباح و ( لا يرى ) اللصوص و الفاسدين اللذين أكلوا الأخضر و اليابس ، و ( لا يرى ) من حملوا جنسيات متعددة و أقسموا على الولاء لها في المقابل يتحكمون بمصير شعب لا يرى سوى في الأردن وطن و ولاء ، و ( لا يرى ) مديونية تتضخم على حساب فقر و إهانة أبناء القرى و البوادي و المخيمات. فيما ينشغل من ( لا يرى ) في معركته مع الشارع تحت عنوان حماية الوطن ، و ينهب اللصوص كل ما تطاله أياديهم الكريمة من أموال و ثروات الوطن .

و الذي ( لا يتكلم ) يعرف أن الأطرش الأول يتحدث بما لا يستطيع فعله ، و أن حصاد الثاني من ( لا يرى ) سيحافظ على الوضع الراهن دون تغيير. لذا فإن الذي ( لا يتكلم ) هو المصيبة الكبرى فهو لا يريد أن يقطع رزقه بيده ، فاستمرار الوضع الراهن هو استمرار لوجوده و شرعيته ، فلو نطق بكلمة حق فسوف ينقذ الناس من ما يحدث في الأردن منذ عقود .

هنا تتجلى التوأمة النادرة ( الضحك و البكاء ) في المشهد السياسي الأردني ، فمن ( لا يرى ) يستشهد بما يخبره به أزلامه المسترزقين من اللصوص ، و من ( لا يسمع ) يستشهد بما يقوله له من ( لا يرى ) ، و إذا شائت الظروف القاهرة لمن ( لا يتكلم ) أن يتكلم فهو يتحدث بما يكتبه له من ( لا يرى ) و يؤيد ما يتحدث به من ( لا يسمع ). هذا المشهد المشبع بالبلاوي لم تسبب به قرود الفنان الياباني بل قرود أردنية ، ليدفع الأردني و الأردن ثمن لعب هذه القرود الى أن تفنى القرود .

#DrSaeedAlMomani

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى