#قراءة من #الزاوية_الحرجة #للإنتخابات _ د. منذر الحوارات
أعطت انتخابات مجلس الطلبة في الجامعة الأردنية صورة واضحة عن شكل #نتائج #الإنتخابات_النيابية فيما لو أجريت وفق كل الظروف الراهنة الداخلية والمحيطة، بدون تدخل فعلي في النتائج أو العملية الانتخابية ، في حينها كانت نتيجة التيار الإسلامي ٤٦٪ من مجموع الأصوات والمقاعد وهذه النسبة أعطت مؤشرات واقعية لما يمكن أن يكون عليه واقع الحال فيما لو تمت الانتخابات النيابية على أسس كاملة النزاهة ، طبعاً هذا الإسقاط لا يقع إلا على القائمة الوطنية حيث تلعب الميول السياسية والقدرة على التنظيم والحشد السياسي الدور الأكبر كما في الجامعات حيث تشكل عصارة للنخب الاجتماعية ، أما القوائم المحلية فهي تخضع للمعادلة القبائلية والجهوية وهي تضامنات تقليدياً داعمة للحكومة والنظام ، بالتالي فإن التقييم سيتم على مدى قوة الدولة وداعميها على المستوى الوطني ومدى قوة التيار الإسلامي والذي لايزال الكثيرون يعتبرونه نداً للدولة أيضاً على نفس المستوى الوطني .
سمحت الدولة بإستغلال اسمها ورصيدها للكثير من الأحزاب الجديدة التي ظهرت على الساحة وعلى عجل ، ومُنحت كل التسهيلات اللوجستية في محاولة لردم الهوة التاريخية بينها وبين التيار الإسلامي العريق الذي ولد تقريباً مع ولادة الدولة الأردنية بل وتربى في حضنها قبل أن تتم عملية إقصاء متبادل بينهما والدخول في مرحلة الاحتواء المدروس والذي أدى إلى شيطنة متبادلة بينهم وبين اجهزة الدولة وكانت المسافة تبتعد وتقترب تبعاً لمحددات كثيرة محلية واقليمية ودولية ، عموماً بعد ظهور النتائج ربما تنفس الكثيرون الصعداء فقد كانت تتوقع فوز الجبهة بنسبة ٤٦٪ وهي نفس نتيجة اتحاد الطلبة في الجامعة الأردنية ، لكن الجبهة حصلت على ما نسبته ٤٢.٢٪ من القائمة الوطنية وكانت هذه النتيجة مدعاة لارتياح الجهات الرسمية ، بالذات أن نتائج القوائم المحلية أشارت بوضوح إلى تقدم الشخصيات المحسوبة على الدولة ، هذه النتائج عززت القناعة لدى الجهات الرسمية بأن هذه هي نقطة الذروة التي يمكن للجبهة أن تصل إليها كقوة معارضة ، رغم كل العوامل الداعمة لها مثل حالة الفقر والبطالة وتراجع النمو وازدياد العجز والحديث عن الفساد فقد تفننت الجبهة في استخدام هذه القضايا لإثبات فشل الحكومة وعدم قدرتها على تخليص المجتمع من تبعاتها القاسية ، طبعاً أضيف إلى كل تلك القضايا العدوان على غزة وما يشكله من نقطة مهمة تمكنت الجبهة من استغلاله من خلال الإصرار على ضرورة دعم المقاومة .
هذا بالنسبة للجبهة اماً بالنسبة للقوائم الموالية للحكومة فقد خَيبت الآمال التي وُضعت عليها بالذات الحزبين الرئيسيين الَذين عُول عليهما كثيراً بالذات حزبي الميثاق وإرادة ، وربما يعود الفشل إلى عدم قدرتهما على استغلال رصيد الدولة الذي أتاحته لهما على طبق من ذهب أو أن هذا الرصيد قد نفذ بسبب قرارات حكومية أدت إلى تآكل الدعم للدولة وأجهزتها مع الزمن وهذا إن كان السبب فإنه يدخل في خانة الكلام الخطير الذي يجب الوقوف عنده مطولاً ، وربما تكون نزاهة الانتخابات الأخيرة نقطة البداية في إصلاح وترميم هذا الخلل ، لكن عموماً لم يستثمر هؤلاء القادة الفرص التي أُتيحت لهم إما بسبب ماضيهم البيروقراطي أو لعدم امتلاكهم الخبرة في العمل الجماهيري أو الكاريزما أو ربما اعتقدوا أن غطاء الدولة لهم يكفي وحدهُ لفوزهم وهذا لم يحصل ،وكما يقال ان للهزيمة ألف مبرر بينما للنصر مبرر واحد فقد تذرع هؤلاء بحداثة عهدهم تارةً وتارةً أخرى إلى أنهم فازوا بمقاعد على مستوى محلي وهذه لا تحسب لا لهم ولا للجبهة ، فالمقياس الحقيقي لمدى قوتهم هو المستوى الوطني لأن القوائم المحلية محسوبة سلفاً على المنظومة القبائلية والعشائرية وهذه تقليدياً دافعت عن وجودها من خلال دعمها للنظام وأي حديث غير ذلك يُعتبر خلطاً للأوراق ، ورغم ذلك فقد حصلت جبهة العمل على ١٤ مقعد من مجموع المقاعد المحلية البالغ مجموعها ٩٧ بنسبة ١٤.٤٪ وهذه ليست قليلة في قاعدة عُرفت تقليدياً بإنحيازها القبلي والداعم للنظام
عموماً ورغم الإخفاق في القوائم الوطنية فقد حصلت الجبهة الموالية للحكومة على نسبة ٧٨٪ من مجموع مقاعد المجلس بينما حصل الجبهة المعارضة على ٢٢٪ من مجموع المقاعد الكلي وهذه النتيجة تعتبر مريحة ومقبولة بالنسبة للحكومة .
تلك النتائج أدت إلى طرح السؤال المهم عن الكيفية التي ستتعامل فيها الحكومة وأجهزة الدولة مع هذه النتائج؟ فهل ستستمر النظرة إلى الجبهة على انها جزء مشاغب أو مناكف ويتم حشرها في زاوية المعارضة وهذا مشروع ؟ أو يتم احتواء وجودها ضمن الهياكل الصانعة للقرار في المجلس ؟ وهذه إن حصلت تعتبر خطوة جريئة تتطلب من الجهتين تغيرات عميقة ، فمن جهة الحكومة يجب التوقف عن السماع للجهات التي تشيطن الجبهة والدخول في حوار حوّل الآليات التي تعيد سيرها في عجلة المؤسسات الرسمية كفاعل رئيسي يرتبط بالدولة وأجنداتها ، ولهذه الخطوة مخاطر تتعلق بالعلاقة مع الكثير من دول الإقليم وكثير من الدول الغربية راسخة العلاقة مع الأردن ، أما من طرف الجبهة فمن المنطقي بحكم مكانتها الجديدة أن تدخل في مراجعة حقيقية حول الكيفية التي تمكنها من الموائمة بين إكراهات الدولة والتحديات التي تواجهها وبين ثوابت الجبهة تجاه العديد من القضايا مثل عملية السلام والموقف من دولة الاحتلال وحماس وغير ذلك ، إن حصل ذلك فإنه كفيل بردم مساحة كبيرة من الهوة الفاصلة بين الجهتين طبعاً هذا على اعتبار الندية بينهما .
أخيراً من المؤكد أن هذه لحظة فارقة في تاريخ الأردن يترتب عليها مستقبل أجيال ربما لم يدرك الكثيرون فحواها وعمقها ، فهي تشكل بالإضافة إلى كونها فرصة لتغيير نوعي في اختيار صناع القرار التشريعي اليوم والسياسي غداً ولكنها تشكل أيضاً فرصة لصهر المجتمع بطريقة أفقية تعزز لاحقاً مفهوم هوية مُوحِدة للأردنيين يمكنها ان تقف بوجه أي عدو ، بالتالي لا يجب أن يؤدي تفوق طرف أياً يكن إلى التراجع ابداً عن هذه الخطوة تحت أي ظرف من الظروف ، لأننا للتو وضعنا أرجلنا على بداية السلم الذي قد يوصلنا إلى مستقبل آمن من كل النواحي .