الأولويات مرحلياً / د. هاشم غرايبه

الأولويات مرحلياً

تعيش أمتنا حاليا مرحلة من التخبط، فهي كالغريق الذي لا يعرف السباحة، يحرك كل أعضائه بعشوائية في سبيل المحافظة على استنشاق الهواء، لكن كثيرا من حركاته نزقة خرقاء، تستنزف قواه من غير أن تجعله يعوم على سطح الماء.
يبحث الجميع بإخلاص عن سبل النجاة، لكن يختلفون على تحديد خارطة الطريق التي يسيرون عليها.
يمكن وضع خط فاصل في الرؤية لهذه الخارطة، يحدده مفترق لطريقين بين الفريقين اللذين يشغلهما هذا الهم، الأول يرى السبيل في الإلتجاء الى المنهج الإسلامي وحجتهم في ذلك أنه مجرب وهو الذي نهض بالأمة وجعلها في صدارة الأمم عندما انتهجته، والفريق الثاني يرى أن هذا الفكر غير صالح لهذا الزمن وحجتهم في ذلك أن الأمم الأخرى التي لم تعرفه وانتهجت نقيضة حاليا نجحت وتقدمت.
الفريق الثاني ليست لديه خطة مبرمجة، فمبدأ النهضة لديه يرتكز على أن الإسلام معيق، لذا يجب تحييده إن لم يكن ممكنا التخلص منه.
رغم أن هؤلاء أقلية، ولا تصل نسبتهم في المجتمع الى10 %، لكنهم يحظون بالمواقع المهمة، إذ يتألفون من الطبقة الحاكمة ومعهم نخبة ممن تلقوا تعليمهم في الغرب وافتتنوا به، ويؤيدهم غير المسلمين ممن يخشون على حقوقهم، هؤلاء لا يطرحون وصفة خاصة بحالتنا، بل يدعون إلى الإقتداء بالغرب واتباع منهجهم بعَجَره وبَجَره.
الفريق الأول يتمتعون بالأغلبية الساحقة، إلا أنهم ليسوا متوحدين على الأسلوب ولا على الخطة، فهم جماعات متباينة، لكل جماعة فكر لا ترى في غيره بديلا، ويمكن إجمالهم في الفئات التالية:
1 – السلفيون الإستنساخيون: وهم يؤمنون بأن ما أصلح الأمة في أولها هو ذاته ما سيصلحها الآن، لكنهم يتجمدون عند رؤية السلف الصالح، ولا يعترفون بمتغيرات الزمان ولا تبدلات الظروف، بل يظنون أن أي تعديل سيفسد العقيدة.
2 – السلفيون العلميون: وهؤلاء يجيزون الإجتهاد، وبالتالي فهم يطابقون بين الأولويات الفقهية ومقتضيات الواقع، لكن هؤلاء يقعون تحت مراقبة شديدة من الفئة الأولى، ورعب من رميهم بالمروق وخوف من تكفيرهم إياهم، فلا يجرؤون على بلورة فكرهم ومنهجته ، فتبقى أفكارهم حبيسة الدراسات والبحوث، ولا تنشر فيعرفها الناس.
3 – السلفيون الجهاديون: الذين امتشقوا السلاح لتطبيق الدين بالقوة، هؤلاء هم أكثر من أحبط المشروع الإسلامي المنشود، فهم فهموا الجهاد على غير مبتغاه، فتركوا مقاتلة الغزاة وتوجهوا لقتال المجتمعات، وقتل الناس بلا تمييز بدعوى تكفيرهم، وهم ظلموا أنفسهم بتحليل دماء الناس، فحكم الردة لا يقام جماعيا، فذلك هو الإفساد في الأرض.
هم ابتدأوا بالعقوبات وتطبيق الحدود قبل تحقيق كفاية الناس وتأمين حاجياتهم، بذلك عكسوا الأولويات الفقهية، وقدموا صورة منفرة للدين، وأرعبوا الناس من تطبيق الإسلام.
4- المفكرون الإسلاميون والمصلحون ودعاة تهيئة المجتمعات الإسلامية للتغيير عن طريق النهضة الفكرية لتصحيح المفاهيم السائدة، بتقديم قراءات صحيحة للواقع وفهم لمقتضياته.
كل الفرقاء الأربعة مخلصون ويبتغون خلاص الأمة وفلاحها، لكن حسن النوايا وحدها لا تصنع النجاح، فالدب كانت نيته حماية صاحبه من الذبابة، لكنه هشم رأسه بالحجر لسوء تقديره.
إن الفئة الرابعة هي الوحيدة المؤهلة لتقديم رؤية متكاملة للمشروع المأمول، وعليهم يقع عبء رسم خارطة الطريق، بالإستفادة من تبحر الفئة الثانية فقهيا.
كل ما على الفئتين الأولى والثالثة أن يكفّوا أذاهم عن المصلحين، الذين يكفيهم ما يكابدونه من عنَتٍ من أعداء الأمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى