قانون العقوبات الأردني يخلو من كلمة “الخطأ الطبي”.. وسؤال المليون أين القانون؟

الصحفية رانيا عثمان النمر

استمرارا لمتابعتنا لملف الأخطاء الطبية في الأردن، والذي بات يلقي بظلاله على السمعة الطبية في الاردن واغتيال الإنجازات، وسط استمرار مسلسل الاخطاء الطبية والتي كانت آخر حلقاته الحادثة الأخيرة والتي نجم عنها وفاة طبية الأسنان أثناء عملية شفط الدهون في عمان، تمت الأشارة لبعض البنود القانونية المثيرة للجدل وذكرت دون تفاصيل من أجل التركيز على الحادثة وحيثياتها المستفزة.

أما وبعد دراسة بنود قانون العقوبات المتعلق بحالات مشابهة، وتحديد المرجعيات القانونية الأخرى وبالتفصيل وبعد التواصل مع خبراء، خاصة بعدما أصبحت الحادثة المؤلمة ” قضية رأي عام “، في محاولة للإجابة عن سؤال المليون اين القانون؟
وفي بحث جاد لفهم ما جرى وما يجري بخصوص قانون الأخطاء الطبية تسنى لي الإطلاع على الحقائق القانونية والحيثيات التالية :
بداية والأكثرغرابة هي في الحقيقة القانونية الأولى:
خلو قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960من كلمة ” الخطأ الطبي” وعليه يتم الأحتكام للبند 343 والذي ينص حرفيا:
“القتل غيرالمقصود
من سبب موت أحد عن إهمال أو قلة احتراز أو عن عدم مراعاة القوانين والأنظمة عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات.” هذا القانون ذاته ينطبق على الخطأ الطبي وعلى حادث السير أو الدهس أو قضايا الهدم والبناء.
من هنا نطرح التساؤل المنطقي الأبرز، لماذا لم يتم الخروج بمشروع قانون معدل للبند أعلاه أو تشريع جديد رادع من قبل الحكومات الأردنية أو مجالس النواب المتعاقبة على الرغم من تسجيل مئات حالات الوفاة “بالخطأ الطبي” خلال الأربعين سنة الأخيرة.
أما العقوبات الأخرى (المالية أو التأديبية) تتضمن تعويضات وهي للأمانة رادعة وصلت في القضية الشهيرة المعروفة بقضية “بترالعضو التناسلي الذكري” لطفل الى 280 ألف دينار.
الحقيقة القانونية الثانية: عدم تفعيل قانون المسؤولية الطبية والصحية وهو اللغز الثاني
وبحسب الفقرة (ج) من المادة 62 من قانون العقوبات التي “اجازت العمليات والإجراءات الطبية المنطبقة على أصول الفن والمقصود بكلمة الفن هي القواعد والإجراءات والمعايير الخاصة بممارسة مهنة الطب بدءا من التشخيص الى العلاج والمتابعة”
هذه المادة تركت الباب مفتوحا على مصراعيه لتقدير الطبيب من هنا جاءت الحاجة لقانون آخر يوضح ما هي القواعد الإجراءات والمعايير الخاصة بممارسة مهنة الطب؟ وهو البند السادس من القانون ” غير المفعل” وهو قانون المسؤولية الطبية والصحية.
في حيثيات صياغة هذا القانون أنه وخلال العشرين سنة الماضية لم يتم التوافق على “قانون المسؤولية الطبية والصحية ” والذي بقي في ديوان التشريع طول هذه المدة، بين الأخذ والرد والإعتراض والتجويد، الى أن أصدر قانون المسؤولية الطبية والصحية رقم 25 لسنة 2018
المنشور على الصفحة 3420 من عدد الجريدة الرسمية رقم 5517 بتاريخ 2018/5/31 حيث “تمخض الجمل فولد فأرا ” وراحت علمريض حيث انه:
اولا: هذا القانون غير مفعل بالرغم من انه قد مر بجميع المراحل التشريعية واصبح تنفيذه واجبا من قبل السلطة التنفيية والرقابة عليه من قبل السلطة التشريعية
وعدم تفعيلة هو مسؤولية وزارة الصحة وهي الجهة التنفيذية حسب القانون.
وثانيا: لم يعرف القانون ما هي درجات الخطأ (التشوه،العطب، العاهة) وصولا إلى الوفاة.
ثالثا: لم يفرق القانون بين ما هو خطأ طبي وبين ما هي المضاعفة الطبية المحتملة وبقيت ضمن اختصاص “لجنة” لم تفعل وغير موجودة أصلا حتى اللحظة.
ورابعا: ينص البند (أ) من المادة 12
لا يجوز توقيف مقدم الخدمة بجرم ارتكاب خطأ طبي اثناء مرحلتي التحقيق والمحاكم. حيث لم يورد هذا البند اي ستثناء بتاتا حتى في حالة الخطأ الطبي المفضي الى الوفاة، أو على الأقل إضافة بند إعطاء صفة الإستعجال في حالة الوفاة وخلال مدد زمنية محددة.

خامسا :ينص البند (أ ) من المادة 17 :
“ينشأ في المجلس الصحي العالي صندوق يسمى صندوق التأمين ضد أخطاء المسؤوليه الطبية والصحية “.
ان عدم تفعيل هذا البند أيضا يحرم المريض أو ذويه أو ورثته من الحصول التعويض، ففي حال عدم قدرة الطبيب المالية تبقى القضية معلقة الى ما شاء الله

سادسا: العقوبات الواردة في المادة 20
تتضمن في البند (أ) عقوبات غير رادعة لمخالفات صريحة تتراوح بغرامة من 3000 الى 5000 دينار وفي بند (ب) حبس من أسبوع الى ثلاثة أشهر.
سابعا: فيما يخص البنود التي ورد بها العقوبات المغلظة والرادعة نسبيا والتي تصل الى الأشغال المؤقتة مدة لا تقل عن خمسة ولا تزيد على عشر سنوات فهي في حالات لم تحدث في تاريخ الأردن مثل الاستنساخ البشري

الحقيقة القانونية الثالثة : ان الكلمة الفصل والتي يلجأ لها القضاء عادة هي ” قرار اللجنة الفنية الطبية العيا ” ولجانها الفرعية، والتي تعطلت منذ عام 2019 وفق مصدر طبي مطلع، وأشار الى أن اسباب التعطل منها روتينية ومنها خلافات داخل اللجنة حول ممارسات البعض منهم.
وفي المحصلة لا يوجد قانون رادع حتى اللحظة، الأمر الذي من شأنه ان يقوض السلم المجتمعي ويعزز ثقافة العنف عبر الثأراوالأنتقام، بالإضافة انه يؤثرسلبا على مكانة الأردن الطبية والسياحة العلاجية والإقتصاد، لأن المملكة تسجل على الأقل ضعف المؤشرالعالمي في عدد الأخطاء الطبية.
رانيا عثمان النمر

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى