في متحف نهاية “غزة”

في متحف نهاية ” #غزة

م. #أنس_معابرة

في عام 2016 تم فتح قبو سفالبارد العالمي للبذور من أجل استخراج بعض البذور لنباتات اندثرت نتيجة الحرب السورية الطاحنة، وتم استزراعها في لبنان والمغرب حفاظاً على نوعها. وقبو سفالبارد – أو متحف نهاية العالم كما يسميه البعض – هو عبارة عن بنك لبذور جميع أنواع النباتات في العالم، ويقع غي جزيرة نرويجية بالقرب من القطب الشمالي المتجمد.

ويسميه البعض بمتحف نهاية العالم، لأنهم سيلجئون اليه في حال اختفاء واندثار أنواع كثيرة من النباتات نتيجة حرب عالمية نووية كبيرة.

وبما أن العالم المتحضّر قد سمح في القرن الحادي والعشرين لطغمة ظالمة باغية من المتطرفين المتعجرفين اليهود بالهجوم الشامل على قطاع صغير محاصر لأكثر من عقدين، فإننا أمام إبادة جماعية كبيرة، وانني ادعو العالم اليوم للبدء بإنشاء “متحف نهاية غزة”، على غرار متحف نهاية العالم الشهير.

نحن بحاجة إلى هذا المتحف لتخزين جينات شعب جبّار، صمد في وجه أطول احتلال في التاريخ، احتلال امتدّ لثمانية عقود، وما زال الشعب رغم تعاقب الأجيال؛ يطالب بحقه في الحياة، وحقه في الحرية من الاحتلال الظالم.

في “متحف نهاية غزة” سنضع جينات لعائلات كاملة أُبيدت أجيالها الثلاثة، ولقيت الشهادة تحت الأنقاض، نتيجة للهجمة المدمرة التي يقودها جيش الكيان الغاصب، وبمباركة دولية وعالمية كبيرة.

في “متحف نهاية غزة” سنخزن جينات أبطال كوائل الدحدوح، الذين دفن افراد عائلته عصراً، واطل على الشاشة في المساء ليغطي اخبار الحرب في غزة بمهنية كبيرة، بعيداً عن عواطفه الجياشة، ومخفياً دموعه خلف ستار من حديد.

هناك في “متحف نهاية غزة” سنخزن بذوراً لأشجار الزيتون والنخيل الغزاوي التي حرقت وتجرفت بيد قوات الجيش الصهيوني، وأصبحت اماكنها ساحات اعدام ميدانيّ، تُروى بدم الشهداء، سنخزن عينات لحبات فلافل، وأرغفة مسخن، وقطع مخلل، وحبات زيتون وبلح، واكياس من الطحين، لم يجدها الشعب من اجل الطعام، وباتوا يصومون ويتسحرون على الجوع في شهر رمضان الكريم.

في “متحف نهاية غزة” سنحتفظ بأصبع أبو عبيدة المرفوع تهديداً ووعيداً في وجه الكيان، وكذلك صوته الذي يرعب الملايين من الصهاينة والخونة الملاعين الذين يساندونهم في حربهم الظالمة، وكوفيته التي أصحبت علامة دولية شهيرة.

هناك في “متحف نهاية غزة”؛ سنحتفظ بعينات لحناجر لم تهدأ، وأقلام لم يجف حبرها، وهي تطالب بوقف الحرب الدامية في قطاع غزة، وأيادي باتت مرفوعة إلى السماء تدعو الله بنصر إخوانهم المجاهدين، وفي الوقت ذاته؛ كفّت عن بضائع الشركات والدول التي تدعم الاحتلال في مقاطعة هي الأضخم في تاريخ مقاطعات البضائع.

في “متحف نهاية غزة”؛ سنحتفظ بعينات لعيون باتت تبكي من خشية الله، وأخرى باتت تحرس في سبيل الله، في أرض الحشد والرباط ومولد الأنبياء والاسراء والمعراج، وايادٍ تقبض على الزناد في مواجهة قتلة الأنبياء، واحفاد المغضوب عليهم والضالين.

هنالك في “متحف نهاية غزة”؛ سنحتفظ بعينات لجثث أطفال لقوا الشهادة وهم في عمر الورد، أو فقدوا أجراءً من أجسادهم، ويتسألون عن الذنب الذي اقترفوه وقُتلوا من أجله.

ولا مانع من الاحتفاظ في “متحف نهاية غزة” لعينات من بعض الضمائر التي ماتت، وهي تشاهد المذابح والمجازر التي تجري هناك يومياً، وهم يلتزمون الصمت، ويمدون أيديهم بالسلاح والغذاء والدواء للكيان الصهيوني الغاصب، ضمائر تدافع عن حق أوكرانيا في الدفاع عن نفسها امام الغزو الروسي من جهة، وتشجب وتستنكر حمل أهل غزة وفلسطين للسلاح امام حملات الاعتقال والقتل والاغتصاب والتجويع التي يقوم بها الاحتلال من اكثر من قرن من جهة أخرى.

لا مانع من الاحتفاظ في “متحف نهاية غزة” لعينات من أخوة الدم والعقيدة، الذين يلقون بالمساعدات الغذائية إلى اهل غزة من الطائرات لتقتلهم، أو لتذهب إلى الأسماك في البحر، ويمهدون الطرق لتزويد الاحتلال بالسلاح الذي يقتل إخوانهم.

في “متحف نهاية غزة”، سنكتب التاريخ الأسود لعالم يدّعي المدنية والتطور، وهو قابع في العصور المظلمة، ظلمة لقلوب قتلة الأطفال والنساء، وظلمة للضمائر الميتة، وظلمة في الوجوه القبيحة التي تقف إلى جانب الاحتلال، وظلمة يعيش بها عشرات الألوف من المعتقلين وفي سجون الاحتلال، وظلمة يعيش بها من بقي على قيد الحياة من أهلنا في القطاع المنكوب.

اللهم إنا نبرأ إليك من كل قطرة دم سالت في فلسطين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى