
الشيخ زكريا
طالعنا أحد أعضاء مجلس النواب الأردني السابع عشر بمداخلة تحت القبة يدعو فيها الى تخفيض نسبة الكوته المخصصة للمسيحيين في قانون الإنتخاب للعام 2016 بحجة أن عددهم كنسبة من إجمالي عدد السكان أكثر من عدد المقاعد التي يحصلون عليها وهي تسعة مقاعد من أصل 130 مقعد موزعة كالتالي (عمان 1، البلقاء 2، الزرقاء 1، اربد 1، عجلون 1، مادبا 1، الكرك 2).
سعادة النائب الذي يحمل الإسم (زكريا) تيمناً بسيدنا زكريا عليه السلام الذي ورد ذكره بالقرآن الكريم سبع مرات، هو كاهن من بني إسرائيل ولد في العام المئة قبل الميلاد وتوفي سنة عشرين ميلادية. وللتذكير بالتاريخ، فإنه من المعلوم بأن عمران هو زوج حنة واللذان إنجبا السيدة مريم العذراء (أم عيسى المسيح عليه السلام) بعد إنتظار دام ثلاثين سنة كمعجزة إلاهية حيث حملتها امها حنة الى بيت المقدس لخدمته، وما أن توفي والدها عمران حتى تنافس الناس على كفالتها لأنها ابنة رئيسهم وكاهنهم الأكبر عمران، ولجئوا الى القرعة بعد أن إختلفوا فيما بينهم فكانت النتيجة من حظ زكريا، حيث نشأت مريم نشأة دينية وتفرغت للعبادة، فكان زكريا (كافلها) يجد عندها رزقاً لم يأتها به، حيث ورد ذلك بسورة آل عمران:
فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37).
وقد وقع حب الذرية في قلب زكريا وتمنى من الله ان يهبه ولداً ذكراً يرث الشريعة عنه وعن العلماء فجاءه الجواب كما ورد في سورة مريم من القرآن الكريم: يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا (7).
أما يحي أو يوحنا المعمدان، فهو أبن زكريا وامه إليصابات من أسباط بني إسرائيل، فهو من عمّد يسوع في نهر الأردن، وقد كان يوحنا ثورياً بالمفهوم الحالي حيث قارع السلطة حيث قال “ان النسب والبنوة لا تنفع، وان العلاقة مع الله لا تحددها سلاسل الأنساب” ودعى الجموع الى عدم الطمع واعالة الفقراء ومشاركة المحتاجين، وكذلك الإبتعاد عن الأنانية واللامبالاة.
المعمودية التي كان يقوم بها يحيى في مياه نهر الأردن في منطقة المغطس في حوض الخرار، هي رمز للإغتسال من الخطايا، ولم يدعى يوحنا النبوة بل بشّر بالمسيح الذي سيعمِّد بالروح القدس. وقد قتل يوحنا المعمدان على يد رجال الملك هيرودس الذي تزوج زوجة اخيه (هيروديا) حيث عارض يوحنا هذا الزواج إذ قال بأن لا يجوز زواجه بزوجة اخيه فهذا لا يحل له، فسجنه هيرودس وكانت هيروديا حاقدة على يوحنا وفي عيد ميلاد الملك هيرودس دعا العظماء والقادة لعشاء فاخر ودخلت ابنة هيروديا من فيليبس اخ هيرودوس واسمها (سالومي) لترقص فسرّ هيرودس الملك والمتكئين معه وقال الملك لها أطلبي ما تشائين وسوف يتحقق حتى ولو نصف مملكتي وأقسم على هذا أمام الجمع فخرجت الصبية لعند أمها وتشاورت معها وطلبت رأس يوحنا المعمدان على طبق، فحزن الملك جداً لأجل القسم، وأرسل الملك سيافاً وأمره أن يأتي برأس يوحنا، وأتي برأسه للصبية التي رقصت حاملة الطبق، وحدث ذلك كله في قلعة مكاور التي تقع (32) كلم جنوب غرب مدينة مادبا.
وبالعودة الى الشيخ زكريا، النائب الأردني الذي دعى الى تقليص نسبة تمثيل المسيحيين في مجلس النواب الأردني، نقول أن النظام الأردني قد ارسى توازن نُحسد عليه من خلال تخصيص كوتة للأقليات الدينية وللشيشان والشركس والمرأة، وهذا إجراء مؤقت الى حين نضوح الحالة الإجتماعية التي تٌلغىَ فيها جميع الكوتات ويكون التمثيل بالبرلمان مستند الى المواطنة، فهل سمير قعوار غريب عن السلط وروابيها، والا يتحدث بإسم العبابيد والخشمان والعربيات والنسور وغيرهم من العشائر السلطية المحترمة، وهل فاتورة الطاقة التي نخر مخنا فيها جمال قموه، محصورة بالمسيحيين عن سواهم.
ما الذي يعيب فخري قعوار، أطال الله بعمره أو أخيه المهندس المحترم ليكون نائبا عن عمان، وهل اقتصر أدبه على المسيحيين من الناس، وماذا عن عيسى المدانات ورائد حجازين ابناء الكرك الكرام، الا يمثلون الشمال والجنوب والوسط في هذا البلد، وغيرهم كثيرين مثل مبارك الطوال عن مادبا، وراجي حداد عن اربد، وفوزي الطعيمة عن البلقاء، وخليل حدادين عن عمان، الم ينبري لسان جميل النمري من الحصن وهو يتحدث بالهم الوطني والغيور على قضايا الإسلام والمسلمين اكثر من الكثير منا.
نرجوك يا شيخ زكريا… أن تلتقط اللحظة التاريخية وأن تراجع موقفك في زمن أصبح فيه مسيحي الشرق ملاحقين في العراق وسورية ومصر وغيرها من الدول العربية، هؤلاء ملح الأرض وعطر السماء.
… فاجعل لك من إسمك نصيب كافلاً حافلاً…و هلالويلا.