بين العلمانيين والإسلاميين / عبدالرحيم الزعبي

بين العلمانيين والإسلاميين
دفعتني الجلبة الإعلامية التي ثارت مؤخرا حول مقالة الكاتبة زليخة أبو ريشة إلى استحضار ما استطعت إليه سبيلا من قراءات سابقة راوحت بين اليسار واليمين. والحقيقة أن ما دار على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية لا يحمل علامة فارقة جديدة تشير إلى أننا قد تحركنا خطوة إلى الأمام في مجال أدب الاختلاف والحوار والتعايش، وهي مرحلة بدائية سابقة على مرحلة حب التعددية والرغبة في ثرائها !! ليست هناك نية جادة للحوار بين حملة الخطابين العلماني والإسلامي، وليست هناك أية مساع لإيجاد أرضية مشتركة ينطلق منها الجميع لخدمة الوطن، ويبدو أن أغلب حوارات العلمانيين مع الإسلامين شبيهة بالحوار الذي أجرته قناة الجزيرة يوما في برنامجها الشهير “الاتجاه المعاكس”، بين كل من “صادق جلال العظم” و”يوسف القرضاوي”، فالأخير في مقدمة الحوار قال أن أصادقاءه قد نصحوه بعدم الذهاب لأن مفكري العلمانية لا يجدي معهم نقاش أو حوار ولن يقتنع أي منهم أو يتراجع عن فكره، تصريح يشير إلى أن القرضاوي جاء ليقنع الآخر، لا ليؤسس لأرضية مشتركة صلبة يقف عليها هو والآخر!! أما صادق جلال العظم فقد اختتم الحوار بخاتمة متعجرفة استعلائية قال فيها للقرضاوي: “أعترف أمام الجمهور بأنك أكثر استنارة مما ظننت”!! عبارة تحمل نظرة فوقية وتفترض مسبقا بأن الآخر ظلامي!! وبين مقدمة القرضاوي وخاتمة العظم بدا المتناظران متشنجان متوتران. ونحن كجمهور صار من الطبيعي والمتوقع بالنسبة لنا أن نشهد جلبة إعلامية وتراشقا للتهم بين العلمانيين والإسلاميين على أهون سبب، فما بين الطرفين يتعدى التناقض في الطرح إلى رغبة العلماني في التحرش بالمجتمع، ورغبة الإسلامي في ارتهان المجتمع لسبيل الهداية التي يعتقد بأنه ممثلها الحصري والوحيد!!
ولنتوقف عند قراءة النصوص القرآنية والنبوية لدى الطرفين، يطيب للعلماني أن يقرأ النصوص قراءة فيها من الاجتزاء وإهدار السياق وتزييف الوعي ما يكفل خلق قطيعة قسرية بينها وبين العلم، وهو يتبع تلك القراءة بالسخرية والهمز واللمز والغمز، وبذلك فهو يؤسس لاستعلائية نخبوية متعالمة ضد الآخر المتدين وأتباعه من الناس، ناهيك عن اكتسابه بريقا زائفا يجتذب إليه بعض المفتونين برغبة الثورة على المألوف دون أن يفهموا أزمة الخطاب الذي انصرفوا عنه وزيف الخطاب الذي أقبلوا إليه. أما بالنسبة للخطاب الإسلامي المعاصر فإن أزمتة التي أشرت إليها للتو هي أزمة في سرعة التعاطي مع مستجدات العصر المتلاحقة، والسبب في ذلك أن الاجتهاد عنده لا بد أن يمر بمرحلة طويلة من التردد البندولي بين اجتهادات الأسلاف. غير أن الواقع المعاصر سيل جارف يفرض نفسه على الجميع بغير حول منهم ولا قوة، فيضطر الخطاب الإسلامي إلى مراجعة نفسه والتسليم للواقع بعد فوات الأوان!!
كيف يتعامل الطرفان مع التاريخ الإسلامي؟ لا يحب العلماني أن يأخذ من تاريخنا إلا التجربة الحضارية الخاصة ببغداد أو الأندلس فهو ميال الى حكايا من نوع ما شجر بين ابن زيدون وولادة بنت المستكفي، وما روي عنهما من أبيات الحب والغرام ثم الفراق والمكايدة والانتقام !! وبهذا فهم يقدمون أنفسهم على أنهم حملة ثقافة الحب والحياة وتذوق الجمال. أما الطرف الآخر فهو يقف عند حكايا الجهاد بشقيه المتعلقين بالقتال وبمغالبة شهوات النفس، فيتهمهم الآخر بأنهم أعداء الحب والحياة والجمال وتحريم زينة الله وما أخرج لعباده من الطيبات. يتجاهل الطرف الأول أن المرحلة التي يحبونها من التاريخ لم تكن لتتأتى دون المرور بالمرحلة التي يبغضونها، فالبحبوحة والاستقرار ورغد العيش وبناء الحضارة والترف العلمي والفقهي والفلسفي والفني بل والمجوني هي الثمار التي لم نكن لنقطفها لولا جيل الحشد والتعبئة والنفير العام والبيعة على الموت. أما الطرف الآخر فهو يتجاهل أن نفس قادة الجهاد والفتح وصناعة الموت في سبيل الله كانوا بعد أن يفتح الله عليهم تأخذهم الدنيا، فيستقرون في الأرض ويخلدون إلى نعيمها ويسيرون قوافل التجارة ويتملكون القصور والضياع، ويمهدون لجيل تال ينعم بحياة مترفة تنتج أبا النواس وابراهيم الموصلي وزرياب وابن زيدون وولادة.
يلحق ذلك كله الاستقطاب، وآفته أنه يضيف إلى القافلتين عبئا إضافيا لم تختر أي منهما حمله بل فرض علي كليهما من جمهور المتابعين، فهو يضيف إلى حملة الخطاب الديني أفرادا امتهنوا الشتم والسباب علاوة على التكفير، وهذا طبيعي جدا لأن اتباع الخطاب الديني هم الأغلبية لذلك ستكون نسبة الشتم والسباب هي الأعلى لديهم. وهو يضيف الى حملة الخطاب العلماني أفرادا لم يميزوا بين نقد المقدس ونقد المستنبط من هذا المقدس، ولم يميزوا بين النقد في الأبحاث والكتب والنقد على مواقع التواصل الاجتماعي، فيصوبون سهامهم ببلاهة نحو المقدس، ويفعلون ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي !! تنشأ على إثر ذلك جلبة إعلامية يتهم فيها العلمانيون الخطاب الديني بأنه خطاب كراهية ينتج ألسنة يحل فيها الشتم محل ذكر الله، فيستسهل الإسلاميون أن يتهموا الخطاب العلماني ببث العداء تجاه كل مقدس.
خلاصة القول، يريد بعض حملة الخطاب الإسلامي من الناس أن يسلموا لهم القياد على مبدأ “هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا” !! بينما يريد بعض حملة الخطاب العلماني من الناس أن يسلموا لهم القياد على مبدأ “هل تتبعونا على أن نحترمكم ونتوقف عن وصفكم بالجهل والرجعية والظلامية والتخلف” !!
عبدالرحيم الزعبي
فيس بوك: http://facebook.com/abdulraheem.alzubi

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى