الأمن والأمان متحققان…..وماذا بعد؟؟ / راتب عبابنه

الأمن والأمان متحققان…..وماذا بعد؟؟

نفخر بالأردن بتحقيق الأمن والأمان الذي يفتقر له الكثير من الدول في الإقليم حتى أصبحت هذه العبارة لازمة ولزاما على لسان المسؤولين والوزراء ويرددها المنافقون والوصوليون والجهلة السذج. لم يتحقق الأمن بفعل الدولة وهي تحاول أن تمن به على الشعب، بل بتفهم وغيرة الأردني وبتعاونه ووعيه وحرصه على إدامة الإستقرار الذي يعتبر الأساس الهام ويكاد يكون الوحيد الذي يقف خلف النماء والتقدم والإنتاج لأي مجتمع.
وهذا الأردني هو العسكري ورجل الأمن ويشكل قطاعا كبيرا من الشعب وليس قادما من كوكب آخر ولا مرتزق يقال له أقتل فيقتل وتوقف فيتوقف. فهم جاءوا من القرى والبوادي وليسوا من القصور والفلل. لذا همّ أسرهم همهم وهم الوطن همهم والحفاظ على الوطن همهم والطموح لرفع مستوى معيشتهم ومعيشة أهلهم همهم، وبهذه الهيكلية وصلهم ما يصاغ وما يصنع للنيل منهم ومن وطنهم وبالتالي أسرهم. وعليه كمكوّن رئيسي وكبير تقع عليه مسؤولية الإنقاذ. لذا لا يعتقد أحد أن الجندي سيصوب سلاحه على أخيه وهما يعانيان من نفس الخطر.
لقد تحمل الشعب الكثير من التعسف والتغول والإستقواء في سبيل الحفاظ على الإستقرار أملا بأن تتغير السياسات وتستبدل الوجوه العفنة بغيرها من الذين يقتنع الشعب بهم ويرغب بهم لإدارة شؤونهم. فإلى متى سيستمر هذا الشعب صابرا تحت نير الظلم والفقر بينما الدخلاء من برامكة ومن لف لفهم ينهبون مقدرات الشعب دون رادع؟؟ يقول الموسيقار عبدالوهاب بأغنيته الشهيرة (إنده على الأحرار) على ما أتذكر: بحكمة الله في آية لكل ظالم نهاية.
لكن وللأسف تم اللعب على وتر الأمن والأمان حتى صمت أذاننا قرفا واشمئزازا لحد دفع بالكثيرين للقول لنعيش بفوضى ونشبع، فوضى خالية من الفاسدين، فوضى من غير توريث، فوضى من غير جباية، فوضى من غير استقواء واستغباء، فوضى يمكن أن تعيد الحقوق للشعب، فوضى تكون سببا بهلاك الفاسدين وكل من أساء للشعب والوطن، فوضى تمهد لمستقبل مشرق وليس مستقبلا يزيد به الإنقسام عاموديا وأفقيا، فوضى تنتهي بحفظ كرامة المواطن وتعزز من افتخاره بقيادة تعمل بجد لمصلحته وتقف بصفه ضد التسيب والتردي الذي ينحدر بالأردن نحو الهاوية.
وكما تقول الغالبية لتكن فوضى من غير انتظار ما يسمونه مكارم وهي كلمة بها من الإشعار بالدونية والتحقير ما يكفي لرفضها وهي في الحقيقة حقوق صودرت ومنعت عن أصحابها لينعم بها المتنفذون والآمرون باسم الملك والمقررون سرا للكثير من توجهات الدولة التي تترجمها الحكومات بينما الأقارب والأصدقاء ينعمون بالملايين من مال الشعب. وهم برامكة انتهجوا نهجا قذرا وصل بهم النيل من أعراض هارون الرشيد لأنهم كانوا موضع ثقته المطلقة والتي لا تتزعزع ويديرون الدولة العباسية حسب أهوائهم ورغباتهم.
كلنا مع الأمن والأمان ونحيي مواطنينا وجيشنا ورجال أمننا أبناء الحراثين من القرى والبوادي والمدن يحرسون من بالصيف يرقد مقابل المكيف والجنود تصطلي بحر الشمس وفي الشتاء ينعم بالتدفئة المركزية وحماة الوطن والحافظون أمنه يرتجفون من برد الشتاء لا تكفيهم رواتبهم ولا ترويهم ولا تشبعهم وعلية القوم يتسابقون بأي منتجع عالمي سيقضون الصيف وبأي الفنادق سيسهرون ويتبغددون بأموال لا يستحقوها وبرواتب خيالية تماثل رواتب نظرائهم في بروناي وقطر.
هل لنا بالدولة التي تتهاوى أن تنتقل لمرحلة ما بعد تحقيق الأمن والأمان؟؟ لقد أصبحت هذه العبارة أداة تذكير بفضل الدولة ومنَّتها لنتوقف عندها دون أن نحيا حياة كبشر لنا حقوقنا وطموحاتنا وأمانينا. الدولة أراها على شفا حفرة وصانعوا القرار ومن يديرون الشأن العام لا يكترثون إلا لزيادة المعاناة. والديوان الملكي والذي يقال عنه بيت الأردنيين ويفترض به أن يمارس دوره المنوط به كحلقة وصل بين القصر والشعب وخصوصا برئيسه الحالي لا يمرر الصورة الحقيقية والأوضاع الحياتية للقصر. وقد أصبح في الواقع بيتا لمن يرأسه ويديره فالعطايا والهبات لهم والتنفيعات لهم ولمن يهمهم أمرهم ويتعاون ضد الشعب، وصياغة التقارير المضللة من صنعهم حتى صارت الرؤية مقيدة ومحددة دون محاولة لتجاوز حدود الديوان للتأكد من صحة ما يصل من تقارير وللإطلاع على حال الشعب وما وصل إليه من التعاسة والبؤس مما يكفل قيام هيجان شعبي كبير ربما يتطور لثورة بحال لم يتنبه النظام لخطورة ما يجري.
وهو الأمر الذي طالما نبهنا بخصوصه على ضرورة العمل على اجتثاث أسبابه لإدامة الأمن والإستقرار لتكون عبارة نفتخر بترديدها بحق بعد أن نكون قد بدأنا نحقق متطلبات واحتياجات ولوازم الواجبات الأخرى التي باتت ضرورة للعيش بالنسبة للشعب. وهذا بدوره يقود إلى التغيير من أجل الإصلاح الحقيقي والملموس وليس بأدوات تنفيذية هي نفسها كانت السبب خلف الإنحدار الإقتصادي والإجتماعي والسياسي.
لكن ما نلاحظه هو تغيير بخلط الأسماء نفسها لتكريس الفساد وتنميته وتعزيز الأخطاء واستفزاز الشعب. لقد أمر جلالة الملك بإعادة هيكلة الجيش والأمن ووزارة التربية والتعليم وكذلك تطوير القضاء بإدارة من ليس له علاقة بالقضاء ونعلم عن المجزرة التي سببها للقضاء بالماضي. وذلك كله جزء يسير من عملية الإصلاح التي تكاد تكون شكلية إذا لم يتغير النهج المتبع منذ أكثر من عقد من الزمن والقائم على تقسيم الشعب لخدم وسادة بإطلاق عنان الحرية للصحافة والإعلام لتتمكن من ممارسة دورها الحقيقي كسلطة رابعة تراقب وتلاحق وتكشف وتفضح الزيف والتضليل والنفاق الذي يمارسه مسؤولونا بوضح النهار والعمل على محاكمتهم والإقتصاص منهم ليعتبر الحاليون واللاحقون.
وإذا لم يكن التغيير جذري ومقنع، فلن يطرأ جديد ولن يتحقق الإصلاح المنشود من الشعب والقيادة وسيبقى إعصار الخلل والفساد يدور ليقتلع ما حوله بدءا بأقرب المقربين وبالنهاية نحن جميعا خاسرون.
تولدت نزعة لدى الغالبية بوجود حكومة كواليس نصبت نفسها وصية على الشعب غير الحكومة المعلنة تعطي التعليمات والأوامر وتنفذها الحكومة الظاهرة. وهذه النزعة ولدت لدى الشعب شعوراه بضرورة البحث عن وسائل النهوض وسبل الخلاص من جحيم الإستقواء والظلم والحيف وهي الصفات التي تغلب على الحكومات التي تديرها حكومة كواليس وترأسها عقلية متنفذة أشبه بالأخطبوط ذو الأذرعة بكل الإتجاهات.
الشعب بجيشه ورجال أمنه بمختلف الأجهزة هم من يحمي الوطن وهم من يغار على مصالحه وعندما تصل بهم القناعة ان زمرة قذرة تدير شؤونهم وأوصلتهم للحال المزري لن يتوانوا ليهتفوا للوطن ولقيادته عندما يتيقنوا أنها بصفهم. نذكر بهذا المقام يوم زار المرحوم الحسين وبرفقته المرحوم وصفي التل المدينة الرياضية بُعيْد أحداث أيلول (أحداث الأمن الداخلي 1970) هتف الحضور لوصفي لشدة تقديرهم وحبهم له رغم أنه كان يعمل بالتوافق مع الحسين وبتوجيهاته. موقف ذو معاني ودلالات عديدة، علنا نستفيد منها. لقد رأوا بوصفي المنقذ والمخلص من زوال محتم رغم التناغم التام بينهما على مجريات الأمور آن ذاك.
لذلك كله، نأمل من القيادة أن تكون الحسين وهزاع ووصفي وعبدالحميد شرف بعيدا عن زيد الرفاعي وعبدالله النسور وفايز الطراونة وعقل بلتاجي. وما أروعك يا جلالة الملك وأنت تعلن إطلاق ثورتكم البيضاء بدءا بالبطانة شاملة مكتبك الخاص والديوان الملكي وغيرهم ممن لهم تأثير سلبي تعقيما وتطهيرا من الطفيليات والطحالب التي تدعي الولاء وهي عكس ذلك مما ينعكس باللوم عليكم كونكم كبير الأسرة ومن بني هاشم وجدكم رسول البشرية بعث ليتمم مكارم الأخلاق وينشر العدل والرحمة والمساواة وإحقاق الحق لا تمييز بين أبيض وأسود وهو صل الله عليه وسلم من لم يكن ليتوانى بقطع يد ابنته فاطمة لو سرقت.
الشعب ومنذ سنوات عديدة يطالبكم ويشعركم بذلك الحيف والجور إذ أخذا مأخذهما من الشعب الذي اعتاد الإستقرار ولا يقبل بزعزعته، لكن إذا استمر الحال على ما نحن عليه بتولية من لا يخافون الله، سيزداد الحال سوءا وعندها لن يستطيع الكف مواجهة المخرز.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى