فرح مرقه: إعلام القصر يراهن على ضعف الأردنيين في مادة الرياضيات.. وريما بندلي الطفلة أصدق تعبيرا عن وجع سوريا.. وهل نشاهد The voice للمحجبات لإرضاء مرضانا النفسيين؟.. واحتفالات دبي وضغائننا.. وأحمد الزعبي قاتل إذا صمت، كيف وقد بكى!..

حين تراهن الدولة على ضعف الأردنيين في “العدّ”…
يتصدر أي خبر عن الملك عبد الله الثاني الأخبار التي تظهر على شاشة التلفزيون الأردني يوميا، وهو أمر محبب لا ضير فيه طالما نحن نتحدث عن رأس الهرم في الدولة، وعن التلفزيون الرسمي المختصّ بالاخبار والانباء الرسمية.
الأمر ذاته في الحقيقة لا يقف عند التلفزيون الرسمي وإنما يتعداه للفضائيات باختلاف مهنيتها وتوجهاتها، والاذاعات والصحف والمواقع الالكترونية؛ وهو ما يتميّز دوما بالنسخ بحرفيّة (بفتح الحاء وتسكين الراء) عن نشرات إعلام الديوان الملكي المختلفة، وعدم التعديل أو التصحيح “قيد أنملة” حتى في ترتيب الأحداث، وهذا حصرا ما يفسر أن الدنيا اليوم قامت في عمان “ولم تقعد” كون أحد المواقع قرر أن يحصي هذه البيانات، ويحصيها فقط.
الشباب في إدارة الإعلام في الديوان، لم يعتادوا على احتمالية ان يقوم أحد بعدّ سفرات الملك من بياناتهم المكتوبة، ما فاجأهم به موقع “عمان نت”، إذ أصدر تقريرا رصد فيه عدد سفرات الملك ووجهاتها ونوابه وقراراتهم، لتمارس عليه الضغوط الامنية والحكومية لإزالة الخبر “المسيء”.
لا أدري إن كانت الجهات الضاغطة قد راهنت سابقا على ضعف الشارع الأردني في مادة الرياضيات مثلا، أو ظنّت أن بياناتها نوعية لا تعدّ ولا تحصى، على الرغم من أني أرى الدولة ذاتها قد أسهمت في تجذير فكرة “العد والتعداد” خلال الأشهر الماضية: فالحكومة تعدّ المواطنين واللاجئين والضيوف بعملية إحصاء شهيرة عدّت فيها حتى مناديل الورق المستخدمة في كل منزل وتشققات الجدران، كما عدّت التربية والتعليم نجاحاتها البارزة والمقتصرة على “وقف الغش في امتحانات التوجيهي”، والضرائب تعدّ ارباحها بعد مضاعفتها على الأردنيين، حتى أنا شخصيا اضطررت لعدّ ما لي وعليّ كوني على أعتاب عام جديد.
أظنّ أن المسيء فقط هو الرعب المتجذّر داخل الدولة، والذي يجعلها اليوم تظنّ أن أي خبر خارج عن المألوف قد يشكّل تهديدا لكيانها وسلطتها، وهو تحديدا ما ينفخ بعض القضايا، ويمنحها الشعور بأنها “تبتزّ” النظام، أو حتى مهددة له، في الوقت الذي أجزم فيه أن الضغوطات لو لم تمارس على الموقع الذي استنكر العاملون فيه الحادثة، ما كان سيقرأ التقرير فعليا ربع من قرؤوه الآن.
الخوف في الانظمة يدلّ على أحد أمرين: دولة سلّفت أبناءها الظلم، أو دولة مهزوزة، وهنا نسأل المجتهدين الذين هاجموا الخبر عن أيّ صورة أحبّوا أن يعكسوا عن بلادهم من المذكورتين، أم أنهم عكسوا جهلهم فقط فسحبوا به من رصيد الدولة والنظام؟!.
**
دبي والشماتة في الحريق.. وكرهنا للفرح..
لا تنفصل التعليقات السلبية التي انطلقت في رأس السنة على الحريق الذي نشب في فندق في امارة دبي تحت عنوان “عقاب من الله على الفجور في احتفالات العام الجديد”، عن كميّة الضغائن التي نحملها في نفوسنا للفرح والبهجة، وكأننا نتربص بكل ما هو جميل لا لسبب وإنما فقط “للنق” كما يقول اخواننا المصريون.
الحريق رأيناه على كل الشاشات، ومن كانوا سيتضررون هم بالتأكيد أشخاص مثلنا، سواء عرفناهم أم لم نعرفهم، يستحقون الفرح والبهجة، وعلينا جميعا ان نحترم حقهم بها، فلا ديننا ولا اخلاقنا ولا قيمنا الانسانية تقبل بحال من الاحوال ان نفرح لحزن مدني آمن أيا كان.
لن احترم “شامتا” في ضرر يصيب اي مكان في العالم، كيف إن كان في إمارة اراها احدى الادلة الضعيفة للعالم بأننا كعرب لو أردنا فعلا التطور لنافسنا كل الدول؟!.
**
The voice ودموع بندلي الصغيرة..
ضحكنا كلنا على فكرة برنامج The voice الجديد على شاشة MBC والمخصص للأطفال، كما وشعرت أنا نفسي أن القناة قد تبدأ بتصنيفات غريبة للمتسابقين لاحقا، فقد يصبح لديها برنامجا للفتيات واخر للشباب، وفي برنامج الفتيات قد نشهد فقرات خاصة- نرضي بها مرضانا النفسيين- للمحجبات، بعد موجات الهجوم على الاردنية المحجبة نداء شرارة.
المهم بدأ البرنامج، ورغم أني لم أكن متابعة حقيقية للبرنامج الاصلي وكنت اشاهد مقاطعا فقط، إلا ان الاطفال جاؤوا بعفوية أكبر، ليشعروني بأنهم يستطيعون التعبير عن أنفسهم أكثر منا جميعا، فدموع الفتاة السورية الصغيرة وهي تطلب بإجادة من العالم ان “يعطيها الطفولة” على طريقة ريما بندلي، أظنها أهم من كل الجولات المكوكية التي تُعقد اليوم لإيجاد حلّ مرضٍ لكل الطوائف والملل والفصائل في الاراضي السورية، وتتجاهل ما يريده أهلها.
دموع الطفلة السورية أبلغ.. ودبكة الشابة الفلسطينية أهم.. ولغة أطفال الشعوب أوضح وأكثر نقاءً.. وعبرها فقط نستطيع ان نستقبل عاما فيه بعض الامل..
**
أحمد حسن الزعبي إذ يقتلني بصمته..
لا تنمحي صورة الكاتب أحمد حسن الزعبي، والذي أحترمه من قلبي، من مخيلتي وهو يبكي والدته قبل أيام على فضائية اليرموك، ويتحدث عنها كياسمينة الدار التي كانت تمنحه واخوته العطر والحب، ثم يتوه في الحب والحسرة على فراقها.
والدة الزعبي “كرمة العلي” والتي فارقت حياتنا جميعا قبل أشهر، رافقتني شخصيا في كل مقالاته التي لطالما كانت أولى أولويات الأردنيين في القراءة، وضحكتهم المُرّة، لما فيها من نقد لاذع لاسع متصل بدقائقنا وساعاتنا وأيامنا، لأشعر وأنا اعيد الحلقة مرارا على اليوتيوب، كأني فقدت عزيزة على قلبي، وفي كل مرة أدعو أن يحفظ الله لي أمي وأمهاتنا جميعا.
الزعبي دخل عامه الجديد هذه المرة ولأول مرة دون صوت “كرمة العلي”، ليكبلني فما استطعت أن اكتب اليه حرفا كتهنئة بالعام الجديد، خصوصا وهو من اقترنت صورة وجهه بابتسامته الطيبة وروحه المرحة ودماثة خلقه دوما.
كثُرٌ منا استقبلوا العام بنُدبٍ على أرواحهم، فلم يحتفلوا إلا بدموع إضافية، عزاؤهم فيها أن الحياة مستمرة وأن الأعزاء يرحلون بأجسادهم ولكن أرواحهم دوما معنا.
زرع الكاتب الساخر والإعلامي في نفسي وجعا أعمق من وجع كلماته.. فمثله قاتل إن صمت.. كيف وقد بكى!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. لا ارغب في التعليق نهائيا لكن استوقني امر وهو ان الناس اغلبهم يقولون كاتب ساخر ويضحكون على كتابات الاستاذ وتصويره للأحداث ويتهكم بعضهم والاخر يقهقه ويمشون لكن ان يقول كاتب يعلم جيدا ماذا تعني الكتابة في الدول العربية خاصة كما يكتبها المبدع احمد حسن الزعبي – كاتب ساخر – باعتقادي ان الزعبي كاتب صادق ، صريح ، وطني، حي ينبض قلبه فينطلق القلم يكتب هذا النبض على شكل كلمات وهي ليست كالكلمات ، واقول اذا اردنا ان نخرج مما نحن فيه من مآسي فهذه الكتابات هي بدايات الصحوة لمن القى السمع او كان له قلب وهو شهيد ، اكتفي بهذ القدر من المرار فلم اعد احتمل ان اظيف شيئا . والله الموفق .

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى