
اليوم وقد عدت … فهل تقبليني يا غالية
عدت وفي قلبي الف الف وجع… عدت وقوامي خائرة محدودب الظهر خطواتي محطمة وخاطري مكسور
..عدت وفي ذاكرتي العتيقة بعضا من صور جمعتني معك قبل ثلاثين سنة مضت ،ثلاثين سنة عجاف قهرتني بطول أمدها وهواني عليها وأنهكت قواي … عدت وفي جيوبي بقايا لحبات بذار متعفنه وفي حنجرتي شيئاً من مواويل حصاد مبحوحة … عدت إليك وأدواتي كلها بالية معولي مهشم ومكسر ومنجلي صدئ وحبالي تالفة وشوالي مهترئ وممزق وحصاني هزيل …
اما أنت أيتها الطيبة فقد عدت اليك وأنت كما انت تزدادين زهوة على زهوة،تغدقين العطاء لمن قصدك مواردك لم تتضب… تنتظرين من يدغدغ وجنتيك بمعوله لتغدقي عليه من كنوز عطاياك …. أتيتك اليوم على استحياء فهل تقبلين مني قبيح عذري وهواني عليك بعد ان غادرتك وانا أنعم بعنفوان شبابي فخلعت كل شئ كان يربطني بك عصابتي ومدرقة بذاري وأركنت معولي وشاعوبي والتحقت بركب الوظيفة والتي ها انا اليوم اغادرها، فليتك يومها شددت وثاقي فلم تتركيني أذهب وأبقيتيني باحضانك أشتم عبق ورودك وأتفيأ ضلال اشجارك وامرغ جبيني ليختلط عرقه بترابك الطاهر ،فثلاثين سنة صدقيني لم تنتابني خلالها قطرة عرق بجهد الوظيفة لأشعر بعدها بنشوة الانجاز فكيف لها أن تأتيني ومعولي كان بها قلم وسطح ارضي مكتب مصقول وورقة، وركوبتي فيها كرسيٌ متحرك وهوائي ودفئي إصطناعيان …
اما أنا الآن فقد اشتقت الى تعبك ،الى برد ووحل شتاؤك التي كانت تصتك له أسناني ،الى نسائم صيفك الحارة تلفح بها جبيني فينزف العرق من جروح تعبي اشتقت لأن استلقي متوسداً كومة قش تحت ظل شجرة زعرور ارقب دورة الفراش المزركش وأطرب لصوت نحلات الصيف ….
انها بحق هي الحياة التي ابغي وهي بالنسبة لي استراحة محارب قاوم ورابط وصمد…
والحمد لله رب العالمين … فلقد كسبت السلامة