” انتبه خلفك مطب ” / محمد سعود شواقفة

” انتبه خلفك مطب ”

لم اعتد ان اكتب قصصا مستوحاة من افلام لانني لم اعد اشاهد اي افلام لعدم توفر الوقت لذلك و لان حياتنا باتت فيلما متصلا …يزخر بالاحداث المثيرة … فاصبحت في حالة من الاكتفاء الذاتي من القصص و الحكايات و الامثال التي اجد لها مكانا في دبابيسي التي بدأت تتشابك و تكبر لتصبح نوعا ما بحجم ” المسمار”.
استعير احداث القصة كعادتي بدون ان استأذن الكاتب الذي صدقا لا أعرفه … … و قد قادتني الصدفة لسفر غير مخطط له …فقد اتصلت بي شركة البطاقات الائتمانية لتبشرني بأنني استحق تذكرة سفر مجانية لالتزامي معهم بسداد الحد الادنى في مواعيدها طوال فترة استخدامي للبطاقة الذهبية …. لم يكن مهما الى اين الوجهة و لكن اقنعت نفسي بعد بحث غير مضني عن الوجهة و هي جزيرة بلا إسم في محيط لا تحكمه دولة ولا يطأ ارضه بشر … و قد قبلت العرض لانه مجاني و هذا جدا مهم.. و قد اعجبتني فكرة انها جزيرة خالية من السكان و الأهم ان لا حكومة فيها و لا دول …
جلست الى جواري سيدة في خريف العمر … سألتني إن كانت تستطيع ان تبدلني الجلوس الى جوار النافذة… و لكنني رغم لطافتي المعتادة رفضت … فأنا قررت أن أكون ذاتي و لو لسفرة واحدة في حياتي…. لم تشعر بالراحة لأنني كنت فظا في رفضي رغم انني لم أنبس ببنت شفه … و لم اضطر للتفسير او الكذب …. بادرتني بالحديث … هل تعرف الى اين نحن ذاهبون ؟!… لم أرد ان اظهر بمظهر الجاهل او المنقاد الى وجهة مجهولة … نظرت إليها من تحت نظارتي التي لا أعرف كيف وجدتها على وجهي … فأنا لا ارتدي نظارات و نظري “ستة على سته”… و أجبتها : بالطبع … نحن ذاهبون الى جزيرة الحرية … ضحكت بطريقة لفتت انتباه الجميع … لكنني تمالكت نفسي و اخبرتها : سأنهي كتابة روايتي التي لم أبدأها بعد… أرجو أن لا يكون ذلك طريفا …. نظرت إلي بتمعن و قالت : ألا أعرفك من مكان ما ؟! … قلت لها : لا أعتقد … فأنا لست مشهورا بأي شئ و لا أظن أنك قد رأيت كل الأربعين شبيه الذين تذكرها الاساطير … فقالت: لكنني متأكدة أنني أعرفك من مكان ما…
قالت لي: ماذا تعمل؟! … أخبرتها بدون تردد: إستاذ جامعي …. و كنت شبه متأكد أنها قد تجاوزت عمر الجامعة بأشواط … لكنها ازدادت فضولا : في أي جامعة و أي كلية ؟! ..
فقلت لها و كيف سيساعدك ذلك بتذكر اين التقيت بي … فقالت : ان ابني يدرس في ذات الكلية و ذات التخصص و قد حدثني عنك كثيرا …انت تكتب منشورات على الفيسبوك ” دبابيس”..و هذا نوع الكتابة الساخرة الذي احبه فمديري في الشركة كان يخبرني دائما انكم في ذلك الموقع تشبعونه نقدا و لا تتركون له شاردة ولا واردة الا و تنتقدونها . بصراحة لم اتمالك نفسي من الصدمة الممزوجة بالقلق … ” و من إنت يا سيدتي ؟!!”
أنت مديرة مكتب ” أبو الزوز بياع الهريسة”… فقالت : “بشحمها و لحمها” … و قد أهداني هذه التذكرة و أخبرني أنها مفاجأة لادائي و اخلاصي و لسبب آخر رفض ان يصرح به. لكنني كنت اراه حانقا عندما يضبطني متلبسة وانا اضحك على الدبابيس رغم انها ساخرة ولكنها مفعمة بالالم .
تكلمت معي بلطف و لوم: لماذا تقسو عليه أحيانا؟!… لم أرغب بالكلام الصريح … لكنني اخبرتها بإنني أكره الحلويات منذ طفولتي … و خصوصا ” العوامة”… لا شئ شخصي صدقا… ” كذبة بيضاء “..
فاجأني رجل خمسيني قد غزا الشيب ما تبقى على وجهه من شعر … ” و أنا أكره أبو العز ” فهو لم يكن يوما ” حلوانيا ” و اعتقد أنه سبب رئيسي في ما أنا فيه من سكري و ضعف نظر و أشياء أخرى … و أضف الى ذلك أنه ” مغلواني” … لقد طالبت بمقاطعته من كل رجال الحارة … هو لا يحبني و أنا لا أحبه بعد أن وشى بي ” الزبال ” الذي حضر الاجتماع.
سمعت صوتا لشاب يبدو يافعا رغم لحيته التي يحاول ان يكبرها …. لقد عاتبني معلمي ” أبو العز” حيث انني اعمل لديه لأنني رفضت أن اتلاعب بالاوزان و حرضت العمال على عدم الغش بكمية السكر بالقطر …لذلك طلب مني ان اسافر نيابة عنه لهذه الجزيرة حيث اخبرني ان فيها اجود انواع السكر و باسعار رخيصة …و عندها لن يكون مضطرا للغش.
تدخل مرة أخرى رجل لا يبدو على شكله أي وقار في رقبته سلسلة لامعة… “هل تتحدثون عن أبو العز بياع الهريسة ما غيره” …. لقد كنت سببا في طرده عندما كنا نعمل سويا في مصنع ” السكاكر ” …. لقد كان كسولا فاشلا لا ينفع بشئ …سبحان من يغير الأحوال … بات صاحب محلات حلويات و شهرته عبرت الآفاق …
عندها ” لعب الفأر بعبي ” …لا يمكن ان يكون صدفة ان كل من على متن الطائرة يعرف ” ابا العز ” او تربطه به علاقة ما.
فصحت بالجميع : هل هناك على متن الطائرة من لا يعرف أبا العز …؟!. أجاب الجميع بانهم يعرفونه جيدا… سألتهم: و التذاكر…كيف حصلتم عليها ؟! …اتضح ان جميعنا حصلنا عليها كمنح و هدايا و أعطيات …كل بطريقة مختلفة… لم يشتر احدا منا تذكرته و لم يختر ابدا احدا وجهته…
دخلت مضيفة الطائرة و هي في حالة انهيار … لم يعد هناك وجبات دجاج و لم يتبق الا ” الهريسة ” و للاسف فقد استولى شخص يدعى ” أبو العز ” على كابينة الطائرة و هو يسير الرحلة و يتحكم بوجهتها … و هو يقول بأنه جمع كل من آذاه في يوم من الايام في هذه الرحلة و هو ينوي أن ينتقم منهم .
أسقط بيدي …فقد عرفت أن هذه الدبابيس ” ستكون مسامير نعشي”… راحت السكرتيرة تولول : لم أكن أقصد الاهانة و لكنها حقا طريفة….. لو كنت أعلم بذلك لما كتبت ولا انتقدت ” مية إخس ولا الله يرحمه “… انتفض الشاب مرتعبا: ساترك العمل و اهاجر الي حيث لا عيني رأت و لا أذني سمعت … لن اتدخل بوزن ولا بطعم. و لم يكن من صديقه اللدود الا ان اعترف انه كان شريكه في الترهل و هو ليس بافضل منه حالا .
لم يك من احدهم و الذي كان متسمرا في مقعده يتمتم بما يشبه الصلاة: “الحق علي، الحق علي ” … سألته و من أنت ؟!
إجابني : انا طبيب – او كنت كذلك – و ابو العز يزورني بانتظام … يا للهول ….كل ما طلبت منه هو أنني أفكر برفع سعر جلسات العلاج . و لكنني لم آخذ تهديداته بجدية عندما قال : ” سوف أقضي عليكم … سوف تندمون !!”…. فهذا ما قاله ” شرشبيل للسنافر “….
ساد الذعر و عمت الفوضى و الطائرة تهوي الى اصطدام وشيك…. تعالت الصيحات … أطل برأسه على الركاب المذعورين بابتسامته المعهودة الآسرة … ليتفضل من يستطيع قيادتها أحسن مني و من لا يعرف فليضع ” كعب هريسة ” في فمه و يسكت .
همست بصمت و كعادتي بالكاد يسمعني أحد : “لكنك لا تحسن قيادة الطائرة يا أبا العز”
لم يكن ذلك جوابا مناسبا … ابدا!!

” دبوس على الانتقام ”

تنويه: القصة ليست حقيقية … و الرحلة خيالية …لكن أبو العز رفع سعر جميع الحلويات… و أنا آخر المتضررين …لأنني لا آكل ” الهريسة “.

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى