مقتطفات من كتاب ‘‘النار والغضب: داخل بيت ترامب الأبيض‘‘

سواليف

تأليف: مايكل وولف*

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

لا يمكن أن يكون الدافع إلى كتابة هذا الكتاب أكثر وضوحاً. فمع تنصيب دونالد ترامب في العشرين من كانون الثاني (يناير) 2017، دخلت الولايات المتحدة في عين العاصفة السياسية الأكثر غرابة منذ فضيحة ووترغيت على الأقل. وبينما كان ذلك اليوم يقترب، عكفتُ على كتابة هذه القصة بأكبر قدر من التوثيق في الزمن الحقيقي، في محاولة لرؤية الحياة في بيت ترامب الأبيض من خلال عيون أقرب الناس إليه.
تم تصور هذا الكتاب في الأصل ليكون سرداً عن المائة يوم الأولى لإدارة ترامب، والتي عادة ما شكلت العلامة الأبرز لأي رئاسة. لكن الأحداث تعاقبت سريعاً من دون توقف طبيعي لأكثر من مائتي يوم؛ حيث أُسدل الستار على الفصل الأول من رئاسة ترامب فقط بتعيين الجنرال المتقاعد جون كيلي رئيساً لموظفي البيت الأبيض في أواخر تموز (يوليو)، وخروج كبير الاستراتيجيين، ستيفن ك. بانون من الإدارة بعد ثلاثة أسابيع من ذلك.
تستند الأحداث التي وصفتها في هذه الصفحات إلى محادثات جرت على مدى ثمانية عشر شهراً مع الرئيس، ومع معظم كبار موظفيه، بعضهم تحدثوا معي عشرات المرات، ومع الكثير من الناس الذين يتحدثون إليهم بدورهم. وقد حدثت المقابلة الأولى قبل وقت طويل من تخيلي بيتاً أبيض يسكنه ترامب، ناهيك عن تأليف كتاب عنه، في أواخر أيار (مايو) 2016 في منزل ترامب في بيفرلي هيلز؛ حيث كان المرشح آنذاك ينهي تناول نصف لتر من بوظة “هاجن داز” بالفانيلا، ويعرض رأيه بسعادة وعلى مهل في مجموعة من المواضيع، بينما كان مساعدوه، هوب هيكس، كوري ليواندوسكي، وجاريد كوشنر، يدخلون ويخرجون من الغرفة. واستمرت محادثاتي مع أعضاء فريق حملته خلال المؤتمر الجمهوري في كليفلاند، عندما كان ما يزال من الصعب تصور انتخاب ترامب. ثم انتقلت إلى برج ترامب مع ستيف بانون قبل الانتخابات، عندما كان ما يزال يبدو شخصاً غريباً مسلياً، وبعد ذلك لاحقاً، بعد الانتخابات، عندما أصبح يبدو صانع معجزات.
بعد وقت قصير من 20 كانون الثاني (يناير)، اتخذتُ لنفسي مجلساً شبه دائم في أريكة في “الجناح الغربي”. ومنذ ذلك الحين، أجريت أكثر من مائتي مقابلة.
بينما جعلت إدارة ترامب من العدوانية تجاه الصحافة سياستها الافتراضية، فقد كانت أيضاً أكثر انفتاحاً على الإعلام من أي بيت أبيض آخر في الذاكرة الحديثة. وفي البداية، سعيت إلى مستوى من الوصول الرسمي إلى هذا البيت الأبيض، نوع من مكانة “الذبابة على الجدار” -أن أرى وأسمع بدون أن أُلحظ. وقد شجع الرئيس نفسه هذه الفكرة. ولكن، بالنظر إلى الكثير من الإقطاعيات في بيت ترامب الأبيض، والتي ذهبت إلى صراع مفتوح منذ الأيام الأولى للإدارة، بدا أنه ليس هناك أحد قادر على جعل ذلك يحدث. وبالمثل، لم يكن هناك أحد ليقول لي “اذهب من هنا”. وبذلك، أصبحت أقرب إلى دخيل متطفل منّي إلى ضيف مدعو -وهو وضع قريب جداً من ذبابة حقيقية على الجدار- حيث لم أقبل بأي قواعد ولم أبذل أي وعود حول ما قد أكتبه وما لا أكتبه.
تتعارض العديد من القصص حول ما حدث في بيت ترامب الأبيض مع بعضها بعضا؛ والكثير منها، على غرار ترامب، غير صحيحة بشكل سيئ. وتشكل التناقضات، وتلك الرخاوة في الحقيقة، إذا لم تكن الحقيقة نفسها، خيطاً أساسياً في الكتاب. في بعض الأحيان، تركت اللاعبين يعرضون نسخَهم كما هي، متيحاً للقارئ أن يحكم بنفسه عليها. وفي مناسبات أخرى، وصلت -من خلال تساوق الروايات ووفرة المصادر- إلى الثقة والاستقرار على نسخة من الأحداث، والتي اعتقدت أنها صحيحة.
البعض من مصادري تحدثوا إليَّ على أساس ما يدعى “الخلفية العميقة”، وهو عُرف في كتب السياسة المعاصرة، والذي يسمح بعرض وصف مجرَّد للأحداث التي يسردها المصدر من دون ذكر اسمه. كما اعتمدتُ أيضاً على مقابلات مشروطة بعدم ذكر المصدر، بالسماح للمصدر بتقديم اقتباس مباشر مع معرفه أنه لن يُنسب إليه. وتحدثت إليَّ مصادر أخرى شريطة أن لا تخرج المادة والمقابلات إلى العلن قبل أن يُنشر الكتاب. وأخيراً، تحدثت بعض المصادر صراحة على أساس النسبة إليهم.
في الوقت نفسه، كان من الجدير ملاحظة أن الكثير من الألغاز الصحفية التي واجهتها بينما أتعامل مع إدارة ترامب، جاءت نتيجة لافتقار البيت الأبيض إلى الإجراءات وإلى قلة خبرة المديرين. وقد شملت تلك التحديات التعامل مع المادة غير المنسوبة إلى المصدر ومن نوع “الخلفية العميقة”، والتي أصبحت لاحقاً معلنة عرَضاً؛ والمصادر الذين قدموا روايات لي خصيصاً ومن باب الثقة، ثم شاركوها لاحقاً على نطاق واسع، كما لو أنهم تحرروا بعد البوح بها أول مرة؛ وهناك عدم الانتباه المتكرر لوضع أي شروط على استخدام محتوى المحادثة؛ وكون آراء أحد المصادر معروفة جيداً، ومتقاسمة على نطاق واسع بحيث سيكون من المضحك عدم نسبتها إلى صاحبها؛ والنشر على طريقة المنشور السري تقريباً، أو إعادة السرد غير الواعي تماماً، لما كان سيشكل بخلاف ذلك معلومات خاصة ومن نوع “الخلفية العميقة”. وفي كل مكان في هذه القصة، ثمة صوت الرئيس الثابت، المثابر وغير المنضبط، في السر وفي العلن، الذي يتقاسمه الآخرون على أساس يومي، وفي كثير من الأحيان كما نطقه بالضبط فعلياً.
لسبب ما، خصص لي كل شخص اتصلت به تقريباً -سواء من كبار مسؤولي البيت الأبيض أو من المراقبين المتفانين له- مقادير هائلة من الوقت، وبذلوا جهوداً كبيرة للمساعدة في إلقاء الضوء على الطبيعة الفريدة للحياة داخل بيت ترامب الأبيض. وفي النهاية، كان ما شاهدته، وما يتحدث عنه هذا الكتاب، مجموعة من الناس الذين ناضلوا -كلٌّ بطريقته- من أجل التصالح مع معنى العمل مع دونالد ترامب.
وأنا مدينٌ لهم بوافر الامتنان.

تمهيد: آيلز وبانون

بدأت الأمسية عند السادسة والنصف، لكن ستيف بانون، الذي أصبح فجأة من بين أقوى الرجال في العالم وأصبح الآن أقل وأقل عناية بقيود الوقت، كان متأخراً.
كان بانون قد وعد بالقدوم إلى هذا العشاء الصغير الذي رتبه أصدقاء مشترَكون في منزل في بلدة قرية غرينتش، لرؤية روجر آيلز، الرئيس السابق لشركة “فوكس نيوز” والشخصية الأكثر أهمية في الإعلام اليميني، ومُعلِّم بانون وقدوته في وقت ما. وفي اليوم التالي، 4 كانون الثاني (يناير) 2017 -قبل أكثر بقليل من أسبوعين من تنصيب صديقه دونالد ترامب ليكون الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة- سوف يتجه آيلز إلى “بالم بيتش”، إلى تقاعد إجباري، والذي كان يأمل أن يكون مؤقتاً.
كان الثلج مُهدِّداً، ولوهلة بدا نجاح اجتماع العشاء موضع شك. كان آيلز البالغ من العمر سبعين عاماً، وصاحب التاريخ الطويل من المشاكل في الساق والورك، بالكاد يمشي، وكان القدوم إلى مانهاتن مع زوجته، بيث، من منزلهما في المنطقة الشمالية من هَدسون، مصدراً للقلق في الشوارع الزلقة. لكن آيلز كان حريصاً على رؤية بانون. وواظبَت مساعدة بانون، ألكسندرا بريتي، على إرسال التحديثات بالرسائل النصية عن تقدم بانون في انتزاع نفسه من برج ترامب.
بينما تنتظر المجموعة قدوم بانون، كانت الأمسية لآيلز. تماماً بينما كان آيلز مصعوقاً بانتصار صديقه القديم، دونالد ترامب، مثل معظم الآخرين، زوَّد آيلز الحاضرين بشيء من الندوة المصغَّرة عن عشوائية السياسة وغرائبيتها. وكان آيلز، على مدى ثلاثين عاماً قبل إطلاق “فوكس نيوز” في العام 1996، من بين كبار النشطاء السياسيين في الحزب الجمهوري. وبقدر ما كان متفاجئاً من هذه الانتخابات، فإنه استطاع مع ذلك أن يقيم قضية لخط مستقيم من نيكسون إلى ترامب. وقال إنه لم يكن متأكداً من أن ترامب نفسه، الذي كان في أوقات مختلفة جمهورياً، ومستقلاً، وديمقراطياً، يستطيع أن يقيم هذه القضية. ومع ذلك، كان يعتقد أنه يعرف ترامب كما يعرفه الجميع، وكان حريصاً على تقديم مساعدته. كما كان متحمساً أيضاً للعودة إلى لعبة الإعلام اليميني، ووصف بحماسة بعض إمكانيات الخروج بالمليار دولار أو نحو ذلك، والتي اعتقد أنه يمكن أن يحتاجها لإنشاء شبكة كابل جديدة.
كان كل من الرجلين، آيلز وبانون، قد تصورا نفسيهما طالبَين خاصين للتاريخ، وأنهما علَّما نفسيهما بنفسيهما -جزئياً- نظريات المجال العالمي. وقد نظرا إلى ذلك بمعنى كاريزمي -كانت لهما علاقة شخصية مع التاريخ، وكذلك مع دونالد ترامب.
الآن فهم آيلز، ولو على مضض، أنه يقوم في الوقت الراهن على الأقل بتسليم مشعل اليمين إلى بانون. وكان مشعلاً يضج بالمفارقات. فقد هيمنت شركة آيلز، “فوكس نيوز” بأرباحها السنوية التي بلغت 1.5 مليار دولار، على السياسة الجمهورية لعقدين. والآن أصبحت شركة بانون، “بيرتبارت نيوز”، بأربحاحها التي لا تتجاوز 1.5 مليون دولار، هي التي تقوم بهذا الدور. طوال ثلاثين عاماً، كان آيلز -الذي كان حتى وقت قريب الشخص الفرد الوحيد الأكثر نفوذاً في السياسة المحافظة- يستمتع بالفكاهة مع ترامب ويتسامح معه، لكن بانون و”بريتبارت” هما اللذان انتخباه في نهاية المطاف.
قبل ستة أشهر، عندما كان انتصار ترامب ما يزال يبدو شيئاً من عالم ممكن، صُرِف آيلز، متهماً بالتحرش الجنسي، من “فوكس نيوز” في خطوة هندسها الأبناء الليبراليون للمحافظ البالغ من العمر خمسة وثمانين عاماً، روبرت مردوخ، صاحب الأسهم المسيطر في “فوكس نيوز” وأقوى مالك لوسائل الإعلام في هذا العصر. وكان سقوط آيلز سبباً في الكثير من الاحتفال الليبرالي: أعظم بعبع محافظ في السياسة الحديثة أسقطته الأعراف الاجتماعية الجديدة. ثم بعد ذلك، بالكاد بعد ثلاثة أشهر، يُنتخب ترامب، المتهم بقدر أكبر بكثير من الشهوة والخسة والسلوك المسيء، رئيساً.
* * *
استمتع آيلز بأشياء كثيرة في ترامب: بفنِّه كرجل مبيعات، بقدرته كرجل عروض، وثرثرته. كان معجباً بحاسة ترامب السادسة تجاه السوق العامة -أو على الأقل بالمثابرة والإصرار في محاولاته المتواصلة للفوز بها. كان يحب لعبة ترامب. كان يحب تأثير ترامب وقِحته. وقال متعجباً لصديق بعد المناظرة الأولى مع هيلاري كلينتون: “إنه يستمر في المضيّ قدُماً فقط. إنك تضرب دونالد مباشرة على الرأس، وهو يستمر في المُضيّ. حتى أنه لا يعرف أنَّه ضُرِب!”.
لكن آيلز كان على قناعة بأن ترامب ليست لديه أي معتقدات سياسية أو عمود سياسي فقري. وكانت حقيقة أن يصبح ترامب في نهاية المطاف الصورة الرمزية النهائية لرجل فوكس الغاضب بمثابة علامة أخرى على أننا نعيش في عالم مقلوب رأساً على عقب. كان أحدٌ ما يبدو أحمق بينما يحاول أن يجعل أحداً آخر يبدو كذلك -وكان آيلز يعتقد أنه ربما يكون ذلك الشخص.
ومع ذلك، كان آيلز يراقب السياسيين لعقود. وكان قد شهد في حياته المهنية الطويلة كل نوع ونمط وغرابة وطلاوة وجُبن وهوس. وقد عمل النشطاء مثله -والآن، مثل بانون- مع جميع الأنواع. وكانت تلك علاقة تكافلية وتعلق عاطفي مَرضي في نهاية المطاف. كان السياسيون هم رجال الجبهة الأمامية في جهد تنظيمي معقد. وقد عرف الناشطون اللعبة، وكذلك معظم المرشحين وأصحاب المناصب. لكن آيلز كان على يقين من أن ترامب لم يكن يعرف. كان ترامب غير منضبط -لم تكن لديه القدرة على وضع أي خطة للعبة. لم يكن يستطيع أن يكون جزءاً من أي منظمة، كما أنه لم يكن يستطيع أن يلتزم بأي برنامج أو مبدأ. وفي رأي آيلز، كان “ثائراً من دون قضية”. كان ببساطة “دونالد” –كما لو أنها ليس ثمة حاجة إلى قول المزيد.
في أوائل آب (أغسطس)، بعد أقل من شهر من طرد آيلز من فوكس نيوز، طلب ترامب من صديقه القديم تولي إدارة حملته الكارثية. لكن آيلز، الذي يعرف عدم ميل ترامب إلى الأخذ بالمشورة، أو حتى الاستماع إليها، رفض العرض. وكانت هذه هي الوظيفة التي تولاها بانون بعد أسبوع.
بعد انتصار ترامب، بدا آيلز وكأنه يغالب الندم لأنه أخفق بحمق في اغتنام الفرصة لإدارة حملة صديقه؛ حيث تبين أن عرض ترامب كان هو الفرصة النهائية. كان صعود ترامب إلى السلطة، كما فهم آيلز، هو الانتصار المستحيل للعديد من الأشياء التي يمثلها آيلز وفوكس نيوز. وبعد كل شيء، ربما كان آيلز هو الشخص الأكثر مسؤولية عن إطلاق العنان لتيارات “الرجل الغاضب” في انتصار ترامب: كان هو الذي اخترع الإعلام اليميني المسرور بشخصية ترامب.
وجد آيلز، الذي كان عضواً في الدائرة الوثيقة من أصدقاء ومستشاري ترامب في كثير من الأحيان، نفسه وهو يأمل بأن يحصل على مزيد من الوقت مع الرئيس الجديد بمجرد أن ينتقل هو وبيث للعيش في بالم بيتش؛ كان يعرف أن ترامب يخطط للقيام برحلات منتظمة إلى مار-آ-لاغو، القريبة على بعد شارع من منزل آيلز الجديد. ومع ذلك، وعلى الرغم من أن آيلز كان يدرك جيدا أن الفوز في السياسة يغير كل شيء -الفائز هو الفائز- فإنه لم يستطع أن يفهم تماماً تلك الحقيقة الغريبة وبعيدة الاحتمال: أن صديقه دونالد ترامب أصبح الآن رئيس الولايات المتحدة.
* * *
عند التاسعة والنصف، متأخراً ثلاث ساعات، بعد أن كان جزء كبير من العشاء قد أُكِل مسبقاً، وصل بانون أخيراً. ومرتدياً سترة غير مرتبة -علامته المميزة من ارتداء قميصين وفوتيك عسكري، انضم الرجل غير الحليق ومفرط الوزن بعمر 63 عاماً إلى الضيوف الآخرين على الطاولة، وسرعان ما سيطر على المحادثة مباشرة. وبينما يدفع عنه كأس النبيذ الممدود -“أنا لا أشرب”- انغمس تماماً في جولة تعليق مباشر حي، في تحميل عاجل للمعلومات حول العالم الذي كان على وشك توليه.
قال عن خيارات مجلس الوزراء -على نمط مجلس العسكر ورجال الأعمال في الخمسينيات: “سوف نجتاح المنطقة حتى يكون لدينا كل عضو فى مجلس الوزراء خلال الأيام السبعة المقبلة من خلال جلسات استماع التأكيد. تيلرسون خلال يومين، سيشنز خلال يومين، وماتيس خلال يومين…”.
تجاوز بانون الحديث عن “الكلب المجنون” ماتيس -الجنرال المتقاعد ذي الأربع نجوم الذي رشحه ترامب كوزير للدفاع- إلى حديث مطول عن التعذيب، والليبرالية المفاجئة للجنرالات، وغباء البيروقراطية المدنية والعسكرية. ثم ذهب الحديث إلى التعيين الوشيك لمايكل فلين -الجنرال المفضل لدى ترامب الذي كان يشكل الفصل الافتتاحي للعديد من تجمعات ترامب- مستشاراً للأمن القومي.
“إنه جيد. إنه ليس جيم ماتيس، ولا هو جون كيلي… لكنه جيد. إنه يحتاج فقط إلى الموظفين المناسبين من حوله”. ومع ذلك، قال بانون: “إنك عندما تستبعد كل رفاق ‘لا لترامب’ الذين وقعوا كل تلك الرسائل، وجميع المحافظين الجدد الذين وضعونا في كل هذه الحروب… فإنه لا يتبقى لديك مقعد احتياط كبير”.
قال بانون إنه حاول أن يدفع بجون بولتون، الدبلوماسي الصقري الشهير، إلى العمل كمستشار للأمن القومي. وكان بولتون هو المفضل لدى آيلز، أيضاً.
قال آيلز: “إنه قاذف قنابل. ملعون غريب الأطوار. لكنك تحتاج إليه. مَن غيره جيد لإسرائيل؟ فلين مهووس بإيران بعض الشيء. تيلرسون” -وزير الدولة المعين- “لا يعرف سوى النفط”.
شخر بانون: “شارب بولتون هو المشكلة. ترامب لا يعتقد أنه جزء من المنظومة. أنت تعرف أن بولتون صاحب ذوق غريب”.
“حسناً، كانت هناك إشاعات عن أنه وقع في المتاعب لأنه دخل في عراك في فندق ذات ليلة، وطارد بعض النساء”.
“لو أنني أخبرت ترامب بذلك، ربما كان سيحصل على الوظيفة”.
* * *
كان بانون قادراً بشكل مدهش على احتضان ترامب بينما يشير في الوقت نفسه إلى أنه لا يأخذه على محمل الجد تماماً. وقد التقى لأول مرة بترامب، المرشح الرئاسي مرة والمنسحب مرة؛ في اجتماع عقد في برج ترامب في العام 2010، واقترح بانون على ترامب في ذلك اللقاء أن ينفق مليون دولار لدعم المرشحين من نوع جماعة حزب الشاي كوسيلة لتعزيز طموحاته الرئاسية. وغادر بانون الاجتماع وهو يظن أن ترامب لن يشتري هذا النوع من الهراء. أنه لم يكن لاعباً جاداً فحسب. وفي الفترة ما بين اللقاء الأول وأواسط آب (أغسطس) 2016، عندما تولى قيادة حملة ترامب، تأكد بانون أنه لم يكن يقضي، باستثناء بضع مقابلات قليلة أجراها مع ترامب من أجل برنامجه الإذاعي في بريتبارت، أكثر من عشر دقائق في المحادثة الثنائية الواحدة مع ترامب.
أما الآن، فقد جاءت لحظة العصر بالنسبة لبانون. في كل مكان ثمة شعور عالمي مفاجئ بالشك في الذات. البريكسيت من المملكة المتحدة؛ وموجات المهاجرين الوافدين إلى شواطئ أوروبا الغاضبة؛ وشعور العمال بالحرمان؛ وشبح المزيد من الانهيار المالي؛ وبيرني ساندرز بنزعة ثأره الليبرالية -في كل مكان ثمة رد فعل عنيف. كان حتى أكثر دعاة العولمة إخلاصاً قد أصبحوا مترددين. واعتقد بانون أن أعداداً كبيرة من الناس أصبحوا فجأة مستعدين لاستقبال رسالة جديدة: العالم يحتاج إلى حدود -أو أن العالم يجب أن يعود إلى زمن كانت له فيه حدود. عندما كانت أميركا عظيمة. وقد أصبح ترامب منصة لتلك الرسالة.
بحلول تلك الأمسية في كانون الثاني (يناير)، كان بانون منغمساً في عالم دونالد ترامب منذ خمسة أشهر تقريباً. وعلى الرغم من أنه جمع فهرساً كبيراً من خصوصيات ترامب وغرائبه، وما يكفي من الأسباب للحذر المحتمل إزاء عدم قابلية رئيسه للتنبؤ بسلوكه ووجهات نظره، فإن ذلك لم ينتقص من قبول ترامب الاستثنائي والكاريزمي لدى اليمين، وحزب الشاي، وقاعدة متابعي الإنترنت -والآن، بعد الانتصار، لم ينتقص من الفرصة التي يعطيها لستيف بانون.
* * *
“هل يفهم ما يدور”؟ سأل آيلز فجأة، وهو يتوقف ويحدق في بانون باهتمام.
كان يقصد هل يفهم ترامب الأمور. لكن ذلك بدا سؤالاً عن أجندة اليمين: هل فهم الملياردير المستهتر حقاً القضية الشعبوية للعمال؟ لكنه ربما كان سؤالاً غير واضح عن طبيعة السلطة نفسها. هل فهم ترامب المكان الذي وضعه فيه التاريخ؟
أخذ بانون رشفة ماء. وقال بعد أن تردد -ربما لوقت طويل جداً: “إنه يفهم. أو أنه يفهم ما يفهم”.
بنظرة جانبية، واصل آيلز التحديق فيه، كما لو أنه ينتظر أن يكشف بانون المزيد من أوراقه.
“حقاً”. قال بانون: “إنه منخرط في البرنامج. إنه برنامجه”. وبينما يتحول عن ترامب نفسه، عكف بانون على أجندة ترامب. “في اليوم الأول سننقل السفارة الأميركية إلى القدس. نتنياهو يضغط. شيلدون” -شيلدون أديلسون، ملياردير الكازينوها، والمدافع المتحمس عن إسرائيل من اليمين المتطرف، ومؤيد ترامب- “كلهم موجودون. إننا نعرف إلى أين نتجه في هذا الشأن”.
“هل يعرف دونالد؟” سأل آيلز المتشكك.
ابتسم بانون -كما لو بغمزة تقريباً- وواصل: “دع الأردن يأخذ الضفة الغربية، دع مصر تأخذ غزة. دعهم يتعاملوا مع الأمر. أو يغرقوا وهم يحاولون. السعوديون على حافة الهاوية، المصريون على حافة الهاوية، كلهم خائفون حتى الموت من بلاد فارس… اليمن، سيناء، ليبيا… هذا الأمر سيئ… لذلك روسيا رئيسية جداً… هل تكون روسيا بذلك السوء؟ إنهم أناس شريرون. لكن العالم مليء بالأشرار”.
عرض بانون كل هذا بشيء يشبه الهيجان -بعاطفة رجل يعيد تشكيل العالم.
“لكن من الجيد أن نعرف أن الأشرار هم الأشرار”، قال آيلز، دافعاً بانون. “دونالد قد لا يعرف”.
العدو الحقيقي، قال بانون المتيقظ -محاذراً أن يدافع عن ترامب كثيراً جداً أو أن يتحدث عنه بعدم احترام- هو الصين. كانت الصين الجبهة الأولى في حرب باردة جديدة. وقد أسيء فهم كل شيء في سنوات أوباما -ما كنا نظن أننا نفهمه لم نكن نفهمه على الإطلاق. كان ذلك مكمن فشل المخابرات الأميركية. “أعتقد أن كومي هو رجل من الدرجة الثالثة. وأعتقد أن برينان هو رجل من الدرجة الثانية”، قال بانون، مقللاً من شأن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي ومدير وكالة المخابرات المركزية.
“البيت الأبيض الآن مثل بيت جونسون الأبيض في العام 1968. سوزان رايس -“مستشارة الأمن القومي لدى أوباما”- تدير الحملة ضد داعش كمستشارة أمن قومي. هم يختارون الأهداف، وهي تختار ضربات الطائرات من دون طيار. أعني أنهم يديرون الحرب بنفس فعالية جونسون عام ثمانية وستين. البنتاغون منسحب تماماً من كل شيء. أجهزة الاستخبارات منفصلة عن كل شيء. والإعلام ترك أوباما يفلت من الخطاف. انزع الأيديولوجية من كل ذلك، وسيكون لديك عمل هواة. لا أعرف ما يفعله أوباما. لا أحد في الكابيتول هيل يعرفه، ولا رجال الأعمال يعرفون -ما الذي أنجزه، ما الذي يفعله؟”.
“أين هو دونالد في هذا؟”، سأل آيلز، الآن مع الإشارة الضمنية الواضحة إلى أن بانون كان متقدماً بما لا يقاس على معلمه السابق.
“إنه على المَتن تماما”.
“مُركّزٍ؟”.
“إنه يتعلم المهنة”.
“ما كنتُ لأعطي دونالد الكثير جداً من الأشياء ليفكر فيها”، قال آيلز وقد بدا مستمتعاً.
شخر بانون: “الكثير جداً، القليل جداً، هذه أمور لا تغير الأشياء بالضرورة”.
* * *
“ما الذي ورط نفسه فيه مع الروس؟”، ضغط آيلز.
قال بانون “في الغالب، ذهب الى روسيا واعتقد أنه سيجتمع مع بوتين. لكن بوتين لم يُعره أي اهتمام. وبذلك واصل المحاولة”.
“إنه دونالد”، قال آيلز.
“إنه شيء رائع”، قال بانون، الذي كان ينظر إلى ترامب على أنه مثل إحدى عجائب الطبيعة، مثل شيء وراء التفسير.
مرة أخرى، كما لو أنه يضع مسألة ترامب جانباً -باعتباره مجرد وجود كبير وغريب ينبغي أن يكون ممتناً له وعليه الامتثال إليه- ومتقمصاً الدور الذي تصوره لنفسه، كمخرج متحكم في رئاسة ترامب، واصل بانون باندفاع:
“الصين هي كل شيء. لا شيء آخر يهم. إننا لا نفهم الصين جيداً، نحن لا نفهم أي شيء كما يجب. الأمر كله بسيط. الصين تقف الآن حيث كانت ألمانيا النازية في 1929 و1930. الصينيون، مثل الألمان، هم أكثر الناس عقلانية في العالم -إلى أن لا يعودوا كذلك. وسوف ينقلبون إلى الوجه الآخر مثل ألمانيا في الثلاثينيات. سوف تكون لديك دولة فائقة القومية. وبمجرد أن يحدث ذلك، لا يمكنك أن تعيد الجني مرة أخرى إلى القمقم”.
“ربما لا يكون ترامب نيكسون في الصين” قال آيلز، جامد التقاطيع، ملمحاً إلى أن فكرة استيلاء ترامب على عباءة التحكم بالتحول العالمي ربما تتاخم السذاجة.
ابتسم بانون. “بانون في الصين”، قال، بعظمة مدهشة ووصف حذر للذات على حد سواء.
“كيف حال الولد؟” سأل آيلز، في إشارة إلى صهر ترامب وكبير مستشاريه السياسيين، جاريد كوشنر، ابن الستة وثلاثين عاماً.
“إنه شريكي”، قال بانون، بينما تقترح لهجته أنه يشعر بخلاف ذلك. لكنه كان عازماً مع ذلك على تأكيد الرسالة نفسها.
“حقاً؟”، قال آيلز متشككاً.
“إنه في الفريق”.
“لقد حضر الكثير من جلسات الغداء مع روبرت”.
“في الواقع”، قال بانون، “يمكنني أن أستفيد من مساعدتك هنا”. ثم قضى بانون دقائق عدة في محاولة تجنيد آيلز للمساعدة في كبح جماح مردوخ. كان شعور آيلز قد أصبح منذ الإطاحة به من فوكس أكثر مرارة تجاه مردوخ. والآن، كان مردوخ في كثير من الأحيان يضغط على الرئيس المنتخب ويشجعه على الاتجاه نحو اعتدال المؤسسة -كل ذلك في إطار انقلاب غريب في التيارات التي تصبح دائماً أكثر غرابة لنزعات المحافظين الأميركيين. وقد أراد بانون من آيلز أن يقترح على ترامب، الرجل الذي اشتملت عوارض عُصابه الكثيرة، على رعب من النسيان أو الخرف، أن مردوخ ربما يكون بصدد الإصابة بذلك.
قال آيلز: “سوف أتصل به. لكن ترامب سيقفز من خلال الأطواق ويفعل كل شيء من أجل روبرت. كما يفعل مع بوتين. سوف يرقص على الحبال. أنا قلق فقط إزاء من هو الذي يمسك سلسلة الآخر”.
استمر عرّاف الإعلام اليميني الأكبر سناً ورفيقه الأصغر سناً (ولو ليس بكثير) عاكفَين على إمتاع الضيوف الآخرين حتى الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل، وكان الأكبر سناً يحاول أن يرى عبر اللغز الوطني الجديد الذي كان ترامب -على الرغم من أن آيلز سيقول إن سلوك ترامب في واقع الأمر كان دائماً متوقعاً- بينما كان الأصغر سناً مصمماً على ما يبدو على عدم إفساد لحظة مصيره الخاص.
وأكد بانون: “دونالد ترامب فهم الأمور. إنه ترامب، لكنه فعلها. ترامب هو ترامب”.
“نعم، إنه ترامب”، قال آيلز، بلهجة تشبه الشك.

*من كتاب Fire and Fury: Inside the Trump White House.
*مايكل وولف (المولود في 27 آب/ أغسطس 1953)، هو مؤلف أميركي، وكاتب، وصحفي، وكاتب عمود ومساهم في “يو أس توداي”، و”هوليوود ريبورتر”، وطبعة المملكة المتحدة من “جي كيو”. حصل على جائزتين من “مجلة ناشيونال ماغازين”، و”جائزة الميرور”، وألف سبعة كتب، منها Burn Rate في العام 1998 عن شركة دوت كوم الخاصة به، وThe Man Who Owns the News في العام 2008، وهو سيرة روبرت مردوخ. شارك في تأسيس موقع تجميع الأخبار “نيوزر”، وهو محرر سابق في “أدويك”.

الغد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى