عن الفلسطينيّ أتحدث
سناء جبر
ماذا لو كنتُ #الفلسطيني في #غزة المشرّعة سقوف بيوتها تحت القصف، وأرواح أبنائها وفلذات أكبادها ملقاة على الأكف منذورة للشهادة بكل حب ورضى فداءً للأرض …والأمهات يغزلن بدموعهنّ المحبوسة في المآقي نشيد الوجع ويرفعن بيارق العزّ بمن ربّين وافتدين بهم الحرية والكرامة والعزّة والإباء ، ينظمن قصائد لا عزاء لهنّ فيها ولا كلام، فهن المنتصرات المعطيات الواهبات … هنّ الباكيات الضاحكات… هنّ الصادقات وعدًا والقطعات عهدًا بقيامة فلسطين وتحريرها، بنصرها المؤزّر ولو بعد حين …هن اللواتي يضفرن الجدائل بلا انتهاء؛ فترنيمة العشق للوطن، لا لغة تترجمها ولا قلب يضاهيها ولا عقل يقدر على فهمها… والآباء هناك في الساح يذرفون دموعًا حرّى على أرض انتهكت حماها…على بيوت العمر عاشوا فيها الحلو والمرّ ودمّرت بفعل آثم …على ذريّة دفنت تحت الأنقاض… على زوجة غادرت قنصًا دون وداع، فما كان منه إلا أن قبض على قلبه بيدٍ من جمر يتّقد وحريق يلتهب… وأقسم أن سيصبر وسيقلب الموازين…فالثأر لهم وللأرض واجب… يا وجع القلب، القلب غصّ ألمًا ودمعا لا يحكى ولا يشكى ولا يرسم … أيا قهر السنين والذكريات الحالمات…
ماذا لو كنت أركضُ بين حارات #الخليل وبيوت #نابلس الحجرية… بين المزارع والبساتين أشرب كوبًا من الشاي المعتق بحب الأرض والدّحنون والمنثور والزعتر… ماذا لو صليت في الأقصى ودعوت الله هناك أن ثبتنا على حب الشهادة وعليك بيهود خيبر …
ماذا لو كنت حارسة لشجرة #الزيتون الضاربة جذورها في العميق البعيد، فتشي لكم بعمرها وتجذّرها وحق السنين الذاهبات الباقيات، تبرهن لكم عن أصل ما تبدل ولن يتغير ما حيينا؛ سوف نبقى على العهد الذي قطعناه لشجرات البرتقال وعروق الزيتون وحبات العنب المدلّاة هناك عناقيد عناقيد، لحبات التراب الندي المخضب بدماء الشهداء الذين ارتقوا فداءً وحبًا وعشقًا وما بخلوا بكل أمانيهم وأحلامهم لمستقبل رسموه وخطوه بأناملهم وخبأوه في ثنايا القلب وحجراته… لكنهم قدموه لثرى الوطن طواعية عن طيب خاطر وما توانوا لحظة وما استكانوا ولم يساوموا… بل رجحت كفة الميزان المترعة بحب الأرض وكانوا الأنقى والأطهر، فحلقوا عزة وشموخا وكبرياء.
ماذا لو كنت أتمشى آمنًة بين الكنائس والجوامع في بيت لحم والناصرة، ماذا لو كنت في حيّ الشيخ جرّاح فأكون معهم عونًا وردفًا… ماذا لو اجتمعنا في اللد والرملة ويافا وحيفا والبرتقال يُورق في العروق والنارنج يملأ الانفاس بعبقه اللذيذ …
آه آه آه !!! لو كنت حارسًا لحبّات التراب في كل بقعة منك أيتها الأرض المباركة أيا وطني فلسطين … ماذا لو كنت ذلك الأردنيّ الذي يغذّ الخطى مُسرعًا إلى الحدود مع علمه مسبقا أنّه لن يعبر، دمه يغلي بركانًا يتأجج نصرة لتوأمه غربي النهر، قلبُه ينبض حبّات لؤلؤ تتراقص مسرعةً دون حساب قلقًا وألمًا ورفضًا لدمع طفل فلسطيني نام آمنًا في أحضان والديه … لكنه استيقظ يبحث عنهما ولم يجد سوى الرماد والسواد واليتم والأسى …
ماذا لو كنت أعيش هناك على الشريعة هناك مطلًة على جبال القدس الشامخة التي أبت الذل وما رضخت ولن تفعل ، أكون هناك فأشرّع بيتي لابن فلسطين القلب والروح وأنال شرف استضافته وفخر لقائه فأقدم له القهوة بيديّ اللتين ما قطعتا حبل الودّ والأخوة يومًا ولن تفعلا …
ماذا لو كنت جنديًا في صفوفك يا أقصىانا المقدس وعندي من الصواريخ فلا أدّخر أيّا منها بل أرجم بها العدو اللعين واحدا تلو آخر…
وإن أنس فلن أنسى صاروخًا موجهًا على أولئك الخونة المرتزقين الذين باعوا الأرض والحب والقهر بدماء الشهداء، فعلوا وما زالوا يفعلون، لكن بئست العاقبة عليهم…