كتب .. #عمر_أبو_رصاع
#سالم_الفلاحات لا يمثل شخصا ولا كما قد يتوهم البعض ايقونة أو مشروع زعيم ما، فحتى الأيقونة والزعيم زينة تتمييز عن محيط، وفكرة متجاوزة نضالياً بالضرورة، فنحن لسنا بحاجة زعامات ولا ايقونات، بل بحاجة لمن يشمر عن سواعده ويشتبك معنا في وحل الواقع الأليم.
الاستاذ سالم هو تعبير عميق عن معطيات لا يمكن المرور عليها هكذا ببساطة، لا أقول هذا بمناسبة صدور حكم السجن بحقه وإن كنت اغتنم هذه الفرصة لوضع الصورة كما اراها أمام الناس، وأرى أن من واجبي أن أفعل ذلك.
ما الذي يعنيه سالم الفلاحات إذن؟
أليس سالم الذي كان يوماً مراقب عاماً لجماعة الإخوان المسلمين؟ فأي صورة تريد إذن؟
نعم هو، وأستخدم هذه الصفة بالذات، لأن العديدين يتمركزون في قراءتهم لما يمثله سالم خلف هذه السمة، أكان بوعي وقصد سيء أو بحسن نية وبساطة، ليوضع الرجل بما يعنيه في برواز محدد لتصورات نمطية حول التوجه العام السياسي والمجتمعي الذي إلتصقت بالجماعة تاريخياً.
لا ينكر سالم منبعه الذي صدر منه وعنه بل وصل فيه تنظيماً إلى أرفع المواقع “مراقب عام”، لكنه بنهجه الصعب المعقد يدعوك وتلك الحال إلى إمعان النظر في خياراته العملية قبل أن تحكم على ما يعنيه ويمثله، وهنا تكمن القصة الأبرز والأهم.
هل ندرك عملياً مدى تعقيد وصعوبة التحولات والانعطافات التي اتخذها سالم الفلاحات؟
ليس لأنك انقلبت ولا لأنك انسقت خلف اهداف خاصة وشخصية، بل لأنك قمت بمراجعات حقيقية ووصلت لقناعات بأن المقاربة نفسها يجب أن تختلف، وأن التغيير المراد لا يمكن تحقيقه بذات الأداة والأسلوب، لم يكن غريباً إذن أن تجد سالم الفلاحات الأشد حماساً لتجربة الحراك الشعبي، يجلس وسط تلك الحالة العفوية ويخلع عنه بُردُه ولا يجد غضاضة في أن يشتبك حوارياً مع عمر أبو رصاع الذي ما أنفك يستعمل وصف إسلاموي سياسي بدلاً من إسلامي مثلاً لا حصراً.
يطرح تصوراً متقدماً جداً لما تعنيه الدولة المدنية عنده لعموم الحراكيين في دارة المرحوم جميل الهلسة (أبو عمر) في رد واضح لا لبس فيه على من غمزوا في قناته من زاوية خلفيته السياسية.
هنا حيث وضع رهاناته واتخذ قراراً حاسماً بأن ما نريده هو دولة دستورية الشعب فيها هو المرجعية، دولة مستقلة القضاء، تدار فيها الأمور بنزاهة وشفافية وكفاءة، تبنى فيها الدولة بناء صحيحاً سليماً وتحترم الحقوق والحريات الخاصة والعامة، دولة عدل وإنتاج ورفاه قادرة قوية، تحمل مشروعاً للانسانية، الكل فيها شريك حاضر له حقوق مكفولة، لهذا الأمر كان العنوان الذي اختمر ذو الدلالات العميقة “الشراكة”.
لا زعم ولا زعمنا أننا بتنا قادرين على تمثله تماماً، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، والكمال لله وحده، وما زال جدلنا محتدماً هادئ حيناً وحاداً أحياناً، لكنه عملي وعميق ومنتج، يبنى ويراكم عليه، طالما بقينا متمسكين بلحمة الشراكة الوطنية.
نعم هذا ما عناه ويعنيه سالم الفلاحات، عنوان للشراكة الحقيقية في مشروع نضالي تحرري جامع، من أجل استقلال القرار الوطني والسيادة والتقدم والعدالة والرفاه، تلك هي الدلالة الأبرز والأهم في مسيرة الرجل، وعنوان خطورته في الوقت عينه.
خطورته على من وماذا؟
على الذين يريدون الاحتفاظ بمكتسبات الوضع الراهن، ومنع البلد من أن يتقدم نحو خيار المستقبل بعنوانه الأهم عقلنة وعَملَنة (أي جعله عملي) الخطاب الأيديولوجي، سحب الفتيل من قنبلة اليأس والفشل، لحساب البديل الممكن العملي القابل للتطبيق والحياة والإنتاج.
دائماً تأتي طروحات سالم الفلاحات تحت عنوان مهم “ما الذي نختلف عليه فعلا؟” من زاوية محاصرة رقعة الاختلاف لحساب التوافقات المنتجة.
هذا مستقبل العمل السياسي، زمن الأحزاب الأيديولوجية ولَّى وانتهى، ليس لأن الأيديولوجيا ماتت بالضرورة، بل لأنها مشرب يمكن النهل من معينه لحساب فهم عملي واقعي أقدامه على الأرض ورأسه في السماء، فهم عصري ممكن وقابل للحياة.
ليست هناك خيانة إذن للايديولوجيا، بل محاولة صادقة لإنقاذها من براثن الانتحار على مذبح الجمود والتصورات المتعصبة المغلقة، ورفض الآخر و/أو إلغائه.
سالم الفلاحات عنوان لهذا المشروع الطموح ولهذا قلت ليس فرداً إنما معنى مهم لمستقبل مختلف، ولهذا هو خطر جداً على الذين يريدون منع ميلاد البديل الممكن والعملي والتوافقي، البديل عصري بكل معنى الكلمة، بديل عصري تحضر في ذات الوقت هويته “أناه” وإرثه في تشكيله وصياغته.
هكذا أرى الأستاذ سالم وأفهمه واتشرف بمشاركته والعمل معه، وهكذا اشتبك معه خلافاً وتوافقاً في ضوء هذا الفهم، ليس مطلوب منك أن تحب أو تكره سالم، بل أن تتقبله بصفته شريكك الجاد في مشروع التحرر الوطني، المستعد لأن يبذل أقصى الطاقة ليتوافق معك عليه، هذا إذا وفقط إذا كنت تؤمن بأن هذا المشروع ضرورة خلاص.
لم أكتب هذه الكلمات لكي ادافع عن الرجل ولا حتى لأنصفه، بل كتبتها لقناعتي بأن الكثير ممن لازالوا يقفون في المنطقة الرمادية، بحاجة إلى النظر من هذه الزاوية تحديداً.
الشراكة أو المنتظم السياسي الذي سيحتضن هذا المعنى ويعبر عنه مستقبلاً، هو خلاصة نضالتنا على مدى عقد ونصف في اشتباك عملي مضن جداً، هو مخاض نتطلع إليه بصفته الثمرة الناضجة للربيع العربي، بعد أن استفاد جدياً ونقدياً من تجربته، وطور نفسه كبديل وحل وأمل بمستقبل مشرق لشعبنا وبلادنا والأمة والإنسانية جمعاء.