ثورة الغضب / سهير جرادات

ثورة الغضب

سهير جرادات

شهدت الساحة الأردنية في الأسبوع الماضي حالة من “الفوضى المقصودة، والمبرمجة” شملت الاثنتي عشرة محافظة ، وتبدو في ظاهرها أنها ضد إقرار مشروع ضريبة الدخل ، وفي باطنها ثورة غضب رافضة للفساد والواسطة والمحسوبية والشللية ،التي سلبت حقوق المواطن لصالح زمرة معينة هي التي تستفيد من خيرات البلد .

اما الهدف الأساس من هذا التراخي الحكومي، بحسب ما جاء على لسان نائب رئيس الوزراء رجائي المعشر،في لقائه مع اللجنة المالية حرفيا :” إن ما حدث خلال زيارة الحكومة للمحافظات ، صورناه مقاطع فيديو ، وجرى إرساله لصندوق النقد الدولي ، بواسطة صديق ” ، لتعلن الحكومة بذلك اعترافها بأنها “افتعلت هذه اللقاءات” في المحافظات ليس من أجل التحاور، بل لاستغلال غضب المواطن من الوضع العام ، وذلك بزرع اعوانها الذين شجعوا المواطنين للتغول على القرارات الحكومية ، وفتحوا أعينهم ووجهوهم نحو آليه الاعتراض بالصوت العالي ، لرفع مستوى الغضب وزيادة نسبة التأزيم ، لصالح استخدامات الحكومة لتنفيذ مخططها مع “الصندوق القاتل “لأحلام الأردنيين.

مقالات ذات صلة

واستكمالا للسيناريو اعترف رئيس الحكومة الرزاز بأن “ما حدث في المحافظات ما هو إلا حالة من الاحباط، والاحتقان المتراكم منذ عشرات السنين “، متجاهلا أن الناس جاعت ، وفقدت الأمل في أن تستر حالها في بلدها .

المسألة لا تتعلق برفض استقبال الوفود الحكومية ، والاستماع لترويجها لقانون الضريبة المثير للجدل ،إنما هي مسألة “قلوب مليانة” ، طفحت من شدة الفقر والبطالة ، وما ينجم عنهما من انتشار للجريمة وتعاطي المخدرات وارتفاع عدد المساجين، ترجمها المواطن بايصال رسائل رافضة لكل توجهات الحكومة وسياستها.

انساق المواطن خلف التراخي الحكومي في آليه الاعتراض ، إذ تمخضت هذه الفوضى عن رفض مشروع القانون بمجمله ، دون طرح حلول أو مقترحات لتعديل بعض البنود أو حتى المناقشة بخصوصها ، الامر الذي سيجعل الحكومة في حل من أمرها ، والخروج من هذا المأزق بأن تقذف المشروع إلى حضن مجلس الأمة ، ليتحول الصدام بين النواب وقواعدهم الشعبية، التي تراهن على صمودهم أمام الضغوطات الحكومة والاجهزة الامنية .

لكن الحكومة تغفل أن المواطن ، لن يجد سبيلا له سوى العودة إلى الشارع مرة أخرى ، لكن هذه المرة لن تقف المطالبة عند رحيل الحكومة ، إنما ستصل إلى عدة مطالب أحلاها مر، فوضع البلد لا يحتمل ضغوطات جديدة ، وكان من المفترض على الحكومة بجميع أجهزتها الأمنية أن تقوم بدراسة واقع الشارع الأردني ، لقياس نبضه، لمعرفة مدى سخطه وحنقه ، وقياس ردود أفعاله لاي قرار ستتخذه، قبل أن تدفع المواطن لطرائق الاعتراض الجديدة.

لقد غاب الحوار بين المواطن والمسؤول ، بعد أن غاب عن منازلنا( أحادية السلطة) ، مما أنتج مواطنا يجهل إدارة الحوار ، ومسؤولا لا يمتلك القدرة على إدارة الازمات والتفاوض ، وتقبل الانتقاد، كونه في مجال العمل العام.

بغض النظر عن الدوافع التي تقف خلف ما جرى من “فوضى مفتعلة” ، فعلى الحكومة أن تضع خطوات سريعة وجدية للخروج من هذه الازمة ، وأن تستمع جيدا لمطالب المواطنين ، التي عرضت بطريقة فاقت الخطوط الحمر ، فالمواطن لا يطلب سوى أن يلمس تحسنا ملحوظا على القضايا التي تقلقه ، وأن يجد فرصة عمل قبل أن يستمع لبنود القانون التي تحاصره ، لأن” الاذن الجائعة لا تسمع إلا “كركعات معدتها الخاوية” ، وعلى الحكومة أيضا أن تزيل عنها تهمة “تثوير الشارع ” ، من خلال اثارة غضب المواطنين.

والآن بعد المواقف الرافضة للحكومة ولطروحاتها بشأن الضريبة نتساءل ماذا بعد؟!

هل سيتم ارسال المشروع إلى مجلس النواب لاقراره قبل 30 / 11 / 2018 ، وهو التاريخ المفروض فيه علينا اقراره من قبل البنك الدولي .

إن إقرار مشروع قانون الضريبة إشعال فتيل أزمة شعبية ، بين شعب فقد الثقة بالحكومات ، ويتطلع الى اجتثاث الفساد ، وحكومة لا تعنيها مطالب الشعب وتطلعات، هاجسها الأكبر تنفيذ قانون الضريبة؛ بعيدا عن مراعاة المطالب الشعبية.

الأمر يحتاج إلى قرارات جريئة عقلانية تصب في الصالح العام لا الخاص .

Jaradat63@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى