بالأرقام المطلقة لا نجد أي تغيير في أرقام عجز الموازنة التي مازالت تصنف باعتبارها كابوسا حقيقيا يحد من عمليات وجهود التنمية التي تبذل، ويمتص ثمار النمو إن تحقق.
بالأرقام؛ فإن عجز الموازنة المطلق في الشهور التسعة الاولى من هذا العام يبلغ حوالي 655.7 مليون دينار مقابل عجز مالي بلغ 561.1 مليون دينار خلال نفس الفترة من عام 2014، وإذا ما تم استثناء المنح الخارجية فان العجز المالي يبلغ 1026.1 مليون دينار.
إذن العجز يرتفع ولا ينخفض، وهو مؤشر مالي مقلق للغاية، ويدلل على أن السياسات الاقتصادية لا تحقق الهدف الاساسي لها بضبط العجز كما تقول خطابات الحكومة الاعلامية.
بالنسبة لعام 2014؛ فقد كان العجز الإحصائي المجمع للموازنة العامة والوحدات الحكومية يصل إلى 1870.9 مليون دينار أو ما نسبته 7.3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي المقدر، وبالنسبة للعام المقبل 2016 قدرت الارقام الاولية العجز بما يقارب 915 مليون دينار.
الارقام السابقة تدلل بوضوح ان كل الاجراءات الحكومية التي اتبعت في السنوات القليلة الماضية والتي كانت جيوب المواطنين وايرادات القطاع الخاص تكتوي من نارها وتدفع ثمنها السلبي لم تقم بضبط العجز وتقلل من حجمه المطلق.
فإذا كان قرار تحرير قطاع المحروقات بالكامل ورفع الدعم عن جميع المشتقات النفطية لا يخفض العجز في الموازنة الى المستويات الامنة اقتصاديا، فما الذي إذن يخفضها؟.
الحكومة لم تكتفِ فقط برفع الدعم عن المحروقات للحد من العجز كما تدعي، بل ذهبت الى ابعد من ذلك بكثير، فرفعت اسعار الكهرباء باعلى من كلفها الحقيقية مع انهيار اسعار النفط العالمية باكثر من 60 بالمائة مقارنة باسعارها وقتما استلمت الحكومة مسؤولياتها في نهاية عام 2012، ومع ذلك فان الدعم ذهب واختفى وارتفعت اسعار الكهرباء، لكن العجز بقي على ما هو عليه بالارقام المطلقة تقريبا.
والامر امتد ايضا الى قرارات حكومية متنوعة شملت رفع الجمارك والضريبة على عدد من السلع والخدمات من اتصالات وملابس وحديد والغاء الاعفاءات بهدف توفير سيولة للخزينة التي تعاني من عجز مزمن، وللحد منه قامت الحكومة باتخاذ تلك القرارات التي سرى تطبيقها وسط احتجاجات عارمة من المواطنين وفعاليات القطاع الخاص، ومع ذلك استمر العجز المالي في الموازنة على حاله دون تغير يذكر.
حتى المساعدات التي تلقتها الخزينة في الأعوام الثلاثة الماضية والتي كانت تناهز المليار دينار سنويا على أقل تقدير لم تصب هي الاخرى باتجاه خفض العجز بالارقام المطلقة، وإن كان لها الاثر البالغ في توفير سيولة لتمويل نفقات الحكومة المختلفة وتحقيق استقرار نسبي للاقتصاد.
للاسف كل العوامل الإيجابية التي حصلت للاقتصاد الوطني من إزالة الدعم ورفع الكهرباء وزيادة المساعدات وارتفاع الضرائب والرسوم، والتي طغت على العوامل السلبية التي أحاطت بالاقتصاد من انقطاع الغاز المصري وتداعيات ازمة اللاجئين، كلها جميعا لم تصب في صالح خفض عجز الموازنة بالأرقام المطلقة.
salamah.darawi@gmail.com