#المتقاعدون_العسکريون / شبلي العجارمة

#المتقاعدون_العسکريون.

﴿عطاٶهم کل العمر والوفاء لهم دقاٸق!﴾

المتgاعدين العسکريين، هکذا تلفظها أمي مجردة من نحو سيبويه فلا هي ترفع المبتدأ ولا تعبأ بقاف الأبجدية أصلاً، ولن أبتعد عن طيبة العجاٸز من صنف أمي ،فجميل أن يجتمع رأس الهرم في الدولة مع رفقاء السلاح ليستذکر مسيرتهم وعطاٸهم وتضحياهم ، والأجمل هو الاستماع لأکبر شريحةٍ ممکنةٍ منهم ،وکذلك مع مختلف رتبهم وصنوفهم ،فيوم الوفاء من ولي الأمر ورجالات الدولة ليس مناسبة للثناء والمدح والإطراء بقدر ما هو يومُُ لوضع اليد علی الوجع والأصابع علی جراحاتهم وأٓلامهم وأٓمالهم العريضة، وکأن کل مٶسسات الدولة ورجالاتها ومسٶوليها علی کبسة زر ذلك اليوم للتعبير والاستذکار واستعراض کل محفزات اللغة من مفردات الدغدغة والمداعبة، والأحرف والجمل المعسولة والمعصورة من المضمون والمحتوی المنشود.
يذکرني هذا المشهد بذلك العامل الذي ينکش حول بيت وبستان البيك والباشا والسعادة والمعالي في وقت الظهيرة تحت غضب الشمس المحرقة في تموز ،والعرق يتصبب من کل مسامات جسده، فيطل عليه البيك والباشا والسعادة والمعالي من شرفة قصره وفيلته وبيته ومن وسط نعيم المکيف والهواء المبستر والمعطر بروبه الفرنسي وسيجاره الکوبي ونظارته الإيطالية ويقول ”الله يعطيك العافية يا بنيي بس لو تنظف الشوك علی داير السور ،شربت شي ؟، ابعثوله کاسة عصير“ ، الخادمة تقدم له تالي کأس العصير المتبقي من ماٸدته المتوشحة والمتوحشة وکثيرا ما يکون عصير البودرة أبو الشلن.
ذات ليلة شتاء غاضبة من هذا الفصل الشتوي المزاجي، توقفت عند رجلٍ کان يرکض علی رصيف القرية الساعة التاسعة والنصف ليلاً، قذف بنفسه لداخل سيارتي دون أن يعرفني هارباً من البرد والمطر والضباب،بالکاد کان يلتقط أنفاسه ، قلت له ولم ترکض ؟،قال کي لا أتأخر علی زميل لي سوف أنتظره ليأخذني بسيارته لدوامي، قلت وما هذا الدوام في هذه الساعة السوداء؟، قال أنا أمن وحماية في الجامعة الألمانية براتب ”٢١٠“ دنانير بعد الضمان والخصومات الاعتيادية، ولأنني أنا الفضولي سألته عن کيسه الأسود المبتل الذي کان به زجاجة ماء من الحنفية ورغيف خبزٍ وبيضة وملح، قال لي والله إنهم حتی الماء يقطعوه عنا لأننا لسنا موظفي جامعة بل من المٶسسة العامة للمتقاعدين العسکريين والمحاربين القدماء.
هذه المٶسسة التي تخلت عن جوهرها منذ تأسيسها وتحولت إلی مسلخ عام للمتقاعدين واستثمرت في الفٸة التي يجب أن تنهض بها وتعزز مکانتها بين طبقات الشعب أبشع وأشنع استثمار، والحکاية تبدأ من رسوم الاشتراك والتوظيف ما قبل لحظة النزع والاحتضار والإتجار بليلهم ونهارهم التي قضوا نصفها الأول بين کعب البندقية والأسلاك الشاٸکة.
والمعادلة الراسبة في علم المنطق والفيزياء والرياضيات بأن الوفاء لمن قدموا کل عمرهم هدية وأعطيات بلا مقابل في حين نستذکرهم بمجموعة منتخبة خاصة ذات ميزات خاصة ومحسوبة ببرنامج تلفزيوني أو عنوان رنان تتشح به وساٸل الإعلام المختلفة وحفل نفخ بلالين أبو الشلن والبريزة في بعض المدارس والجمعيات الخيرية.
الوفاء للمتgاعدين حسب ما تلفظه أمي، هو إعادة قراءة شاملة وسريعة ،ومسح معلوماتي واسع الطيف ولتکن البداية من مٶسستهم الأم التي تم إنشاٶها لهم ولصون کرامتهم عن الوقوف علی شبابيك المحاسبة لقرض ال ”٥٠٠“ دينار وحسب الدور وتاريخ التقديم ، الوفاء للمتgاعدين الکف عن ممارسة الإتجار بالبشر المبطن بإعطاٸهم نصف ما يتم الاتفاق عليه ،الوفاء للمتgاعدين ليس بخصم ثمن اليونيفيرم الکحلي والجاکيت الصيني مبلغ ثلاثة أضعاف.
الشهداء وجهُُ أٓخر لنفس عملة المتgاعدين يقدمون أعمارهم ويرحلون عن أبناٸهم مقابل الحداد بالوقوف دقيقة صمت وقراءة الفاتحة علی أرواحهم تحت قبة البرلمان وفي ساحات المدارس وکثيراً ما کانت الفاتحة بلا وضوء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى