“الأربعاء الأسود” / سهير جرادات

“الأربعاء الأسود”

يحق لنا بعد أن سجلنا في ذات اليوم حادثتي ضرب واعتداء جسدي في مؤسستين وطنيتين عريقتين، أن نطلق على ذلك اليوم تسمية ” الأربعاء الأسود” للوظيفة العامة ، لما حمل في طياته الشيء الكثير من الخجل؛ عندما يلجأ موظف في القطاع العام لاستخدام يده،ويمارس العنف بدلا من اللجوء إلى قنوات الحوار لاسترداد حقه ، أو طرح وجهة نظره.
ما أن بدأنا استيعاب التصرف الهمجي، الذي جرى في بداية ذلك النهار الملتهب ، حيث تعرض مدير عام دائرة ضريبة الدخل والمبيعات بشار صابر، للضرب من قبل أحد موظفي الدائرة ، حتى حمل لنا مساء ذات اليوم صدمة أخرى ، بتعرض رئيس مجلس ادارة مؤسسة الاذاعة والتلفزيون الزميل الراقي جورج حواتمة للضرب على يد أحد موظفي المؤسسة ، خلفت ست غرز في جبينه.
مثل هذه الحوادث ليست الأولى من نوعها في الأردن،الذي شهد حوادث ضرب مماثلة ضد مسؤولين على يد مواطنين وليس موظفين ، وصلت في بعض المرات إلى استخدام السلاح ، لكن ما يميز ما حصل يوم الاربعاء،أن الحادثتين تتشابهان بالتوقيت والأسباب ، حيث اجتمع الغضب واعتراض الموظفين الاثنين على قرار نقلهما ، والتشابه الآخر انهما استخدما ذات الاسلوب الهمجي، وكانت ردة فعلهما غير لائقة بالإنسانية وبحق الموظف العام .
نتفق مع رئيس الوزراء المحظوظ ، لتفرد وتميز فترته بالحوادث التي جرت منذ أن تولى زمام المسؤولية ، من حادث قتل لأفراد بالأجهزة الأمنية ، إلى حادث الحدود الشمالية واستشهاد عدد من منتسبي القوات المسلحة ، بأن ما جرى شيء معيب ومخجل وجريمة ، وعمل لا أخلاقي ومرفوض ، ويشكل خروجا عن منظومة الاخلاق ، وتعديا سافرا على سيادة القانون وهيبة الدولة ،وبدورنا نؤيد رئيس الوزراء في تغليظ العقوبة على من يعتدي على الموظف العام أثناء ممارسته لوظيفته .
بالتأكيد نحن لا نحاول أن نجد أعذارا للمعتدين ، لأنها تصرفات مرفوضة لكل عاقل ، لكن دعونا نبحث في الأسباب ، ونتوقف عندها ،حتى نعالجها ونمنع استمرارها في دوائرنا، فلا يتكرر مثل هذا السلوك لاحقا، وتصبح لدينا أيام أخرى سوداء في تاريخ العمل العام ، لأن مثل هذا السلوك غير اللائق ،يمكن أن يكون له نتائج سلبية على المؤسسة والمؤسسات الاخرى ، وينعكس على المجتمع بأكمله .
هل من المعقول أننا فقدنا القدرة على الحوار ، والإقناع وإيصال وجهة نظرنا ، حتى نلجأ إلى العنف والهمجية ، وخاصة أن العنف انتقل إلى مؤسسة هدفها الرئيس توعية المجتمع ضد العنف ضمن برامجها ومسلسلاتها وأفلامها،إلا أنها وقعت فريسة للعنف ، وكأنها لا تعي الرسائل التوعوية التي تبثها ، وكذلك الحال بالنسبة للدائرة الأخرى المسؤولة عن الحفاظ على حقوق الدولة والآخرين، فنجد بعض منتسبيها لا يجدون وسيلة للحصول على حقهم إلا باليد والبطش .
المتعارف عليه أن البطالة والفراغ،ينشأ منهما تصرفات سلبيّة ، لكن هذا لا ينطبق في هاتين الحالتين ، فلا بطالة لصاحبيها ، ويفترض لا وقت فراغ لديهما أيضا، إذن ما هي الأسباب التي تقف وراء التصرف ، وغياب الحوار بين الموظف والمسؤول، والتواصل مع الجهات المختصة لفتح أفاق الحوار لحل المشاكل الخاصة .
جدلا لو قلنا أننا شعب مستفز ، ويخرج عن طوره وعقله بسرعة ويستخدم العنف ، مترجمين شعورنا بالنقص وعدم الرضا عن الذات ، فإن سبب هذا كله هو حالة الاحتقان التي تولدت لدى الموظف العام لعدم تطبيق أسس التعيين غير العادل ، بحيث يتم تعيين اناس غير أكفياء ، إذ تغيب العدالة داخل مؤسساتنا من خلال ادارات متعاقبة ساهمت في محاباة من فرضوا علينا فيها ، وتم ترفيعهم وتكبيرهم على أصحاب الأحقية بطريقة أصبحوا يرفضون الخسارة، وزاد حجمهم أكبر من حجم من صنعهم تنفيذا للواسطة والمحسوبية ، وتنفيع المؤلفة قلوبهم ، وبدأوا بالتطاول على اداراتهم للحفاظ على حقوق حصلوا عليها من غير وجه حق .
بغض النظر عن التخمينات في معرفة أسباب العنف، الذي يعتبر المترجم الأول لحالة الاحتقان ، وبغض النظر أن المعنف صاحب حق أو لا ، تبقى الوقاية خير من العلاج ، قبل أن تتحول إلى حالة تقلق الجميع.
وحتى نضمن حماية مؤسساتنا وموظفنا العام ، ومسؤولنا الذي لا ذنب له سوى أنه “المصدة” التي تتلقى الصدمات عن ممارسات خاطئة، تمارس داخل دوائرنا من قبل البعض من المسؤولين ، يدفع ثمنها زملاء لا ذنب لهم ، سوى أنهم يريدون العمل والنهوض بمؤسساتهم…عندها لا نصل إلى ما وصلنا إليه : الضريبة تُضرب والإعلام يلجم .

Jaradat63@yahoo.com

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى