عالمُ النفاق / م. عبدالكريم أبو زنيمة

عالمُ النفاق
بعد عقودٍ من الزمن تتضح رؤية يوسف السباعي التي جسدها في كتابه (أرض النفاق)، إلا أنَّ العالم بأكمله اليوم قد صار منافقاً، ولم يعد النفاق حصراً على أرضٍ بعينها، فعالم اليوم هو ليس عالم الإنسانية وكرامة الإنسان وحقوقه، وإنّما هو عالم الجشع والتوحش والكذب والنفاق يقوده عالم الغرب الاستعماري وأذنابهم لتحقيق مصالح شركاتهم العابرة للقارات وللهيمنة على العالم.
الشواهد والأحداث كثيرة جداً لا يمكن حصرها في مقالٍ واحد، وهذه بعضها: عندما غزت أمريكا العراق كان شعارها حرية العراق وحقوق شعبه وأمنه وازدهاره ورفاهيته! إلا أنَّ جل ما فعلوه كان زرع الفتنة، الكراهية، التطرف، التجويع، الخراب والدمار، وأعادوا هذا السيناريو ذاته في ليبيا وسوريا واليمن، بعد أن كانوا يتشدقون على مدار أكثر من نصف قرن بالحريات وحقوق الانسان والقوانين والمواثيق الدولية التي لا يحترمونها هم أنفسهم، تماماً كما تنكروا لقراراتهم التي أقروها بخصوص القضية الفلسطينية والتي يتآمرون اليوم لتصفية ما تبقى منها.
ربيعهم العربي الذي بشرونا بخيراته وثماره، ها هو اليوم يكشف حجم الخراب والدمار الذي لحق بنا جرائه، ففي آخر تقرير صدر عن منجزات الربيع العربي للفترة 2011-2017 تبين فيه أنَّ حجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية في كلٍ من العراق وليبيا وسوريا واليمن قد بلغ (900) مليار دولار، وأنَّ خسارة الناتج المحلي العربي جراء الفوضى الناتجة عن عدم الاستقرار سنوياً يبلغ (640) مليار دولار، تريليون ومائتا مليار دولار تكلفة الفساد في الدول العربية، 14 مليون لاجيء و 8 مليون نازح و 1.4 مليون قتيل ، 30 مليون عاطل عن العمل و70 مليون مواطن تحت خط الفقر و نسبة الزيادة السنوية للفقراء تبلغ 60%، 14.5 مليون طفل لم يلتحقوا بالتعليم، الغرب الاستعماري هو بالأمس من دعم وموّل وسلح المنظمات الإرهابية التي زرعت عقيدة الدم والذبح في قلوب وعقول أشبال الخلافة وأشبال التوحيد في سوريا! واليوم يتباكون على حقوق الأطفال في سوريا واليمن ! هذه الثروات لو وزعت نقداً على المواطنين لأصبحنا الأكثر دخلاً في العالم دون الحاجة لإقامة مشاريع إنتاجية ! هذا المستنقع الذي أوجدوه لنا بالتعاون والتنسيق الكامل مع معظم الحكام العرب لا يهدف إلا لحماية أمن إسرائيل وللسيطرة على منابع وخطوط الطاقة، وإيجاد بيئة حاضنة ومولدة للإرهاب والتطرف والكراهية والحروب المذهبية والعرقية والطائفية لا سيما وأنهم هم -أي الغرب- الرعاة والمستثمرين في الإرهاب .
عندما انطلق العدوان على اليمن قبل أربع سنوات بموافقة ورعاية ودعم كل الدول الغربية كان السبب المعلن هو دعم الشرعية (شرعية هادي) وكل الخراب والدمار والقتل الذي حدث هناك كان تحت ذريعة إعادة الشرعية! اليوم نفس التحالف يدعم قوات خليفة حفتر غير الشرعية ضد حكومة الوفاق الوطني الليبية بطرابلس الشرعية المعترف بها دولياً ! أيّ كذبٍ ونفاق هذا! في نفس الوقت هناك حرب وقتل ودمار لإعادة الشرعية في اليمن، وفي ليبيا حرب ضد الشرعية !!!
الرئيس ترامب يعترف في المحافل والمؤسسات الدولية بحكومة الوفاق الليبية وبرئيسها فائز السراج وفي الخفاء يتصل بحفتر غير المعترف بشرعيته دولياً بحجة محاربة الإرهاب! أما وعلى مدار (8) سنوات من حرب الجيش السوري لمنظمات مصنفة عالمياً بأنها إرهابية لم يجرِ أي اتصال بين أي مسؤول أمريكي وبين وزير الدفاع السوري ! أيُّ نفاقٍ هذا !
معظم الحكام والمسؤولين العرب يتنافخون أمامنا بدفاعهم عن مصالحنا وعيشنا ويطلبون منا الصبر على جوعنا وفقرنا ! واذا ما نُبِذ أحدهم من قبل شعبه نجد في خزائنه كل النفائس والمجوهرات والثروات، وآخر ما شاهدناه في خزائن المخلوع عمر البشير خير شاهد! يدَّعون أمامنا أنهم يواصلون الليل بالنهار دفاعاً عن قضيتنا المركزية فلسطين، وفي الخفاء وفي العواصم الغربية وخاصة في واشنطن وتل أبيب يقولون ويبصمون على أشياء أُخرى ! إنَّه عالم الكذب والنفاق حقاً!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى