كورونا الحكومة الالكترونية

كورونا الحكومة الالكترونية
د. جودت سرسك

لقد استحدثت حكومتنا الرشيدة في الوطن الكبير على اتساع رقعته مايعرف بالثورة الالكترونية التي تحمل فكرا حمّال أوجه حيث تستخدمه تارةً للايقاع بالسياسيين وأصحاب الرأي المخالف ضمن مايسمى بقانون الجرائم الالكترونية كأداة قمعٍ مخالفةً روح وفكر حرية التعبير عن الرأي الملتزم وتارة أخرى تستخدمه أداة قمعٍ لأصحاب الشركات والمؤسسات والمعاملات الحكومية عبر برامجها الالكترونية لأذرعها الاقتصادية الراسخة كالضريبة والضمان الاجتماعي ومعاملات الصناعة والتجارة ضمن قوانين الضرائب والجباية والأتوات .
لقد أوجدت الحكومات الرشيدة مابين عامي 2017 و 2018 مشاريع الأرشفة الالكترونية وادخال بيانات الشركة عبر مواقعها الخاصة مواكبة للتطور وتسهيلاً على المواطن من تحمل أعباء الازدحام ومزاجية الموظفين وروائح الدخان المنتنة التي تحمل في طياتها كل وباءات الانفلونزا والجوائح.يمنح المواطن رقماً سرياً برسالة خاصة ويتكلف عناء الذهاب للحصول على رقمه السري بعد أن تعذر عليه تقديم موازنة شركته أو مؤسسته ورقيا والتي أعدها مكتب تدقيق حسابات بأسعار فلكية بقرار حكومي فيبدأ بادخالها عبر موقع مؤسسة الضريبة فيفاجأ بأميته وكثرة محاولاته الفاشلة وبعد عناءٍ طويل يهتدي للخطوات الصحيحة بعد أن يلعن كل ماهو الكتروني غير أنه في كل عام ينسى ما تعلمه من خطوات في العام الذي قبله فيكرر الوجع الالكتروني ذاته .يخرج مبتسماً بعد أن أودعها عبر الموقع ويهمس في داخله أن البلد بخير وأن للتطور ثمناً لابد من تحمله دون أن يعلم أنه وقع في الفخ المرسوم له فيفاجأ في عام 2019 برسالة تحثه على مراجعة ضريبة الدخل لغايات مراجعة موازنة عام 2017 ويتكفل بغرامة 500 ديناراً غرامة إدخال خاطيء للموازنة ومثلها عام 2018 غرامة أخرى بنفس مقدارها من العبث الالكتروني ليفاجأ أنه راجع مؤسسات الدولة أضعاف ما كان يراجعها في الحكومات الورقية .
إن حكومتنا الرشيدة تشبه عجوزاً بدأ مراهقته متأخراً فراح يتوشح الأحمر والأصفر ويضع لزج الشعر على غرته ويثني كمّ قميصه الضيق ويخصّر سرواله علّه يحظى بحب ومراهقة جديدة.إن الفهم الخاطيء للتشبب يشبه فهم حكومتنا للأرشفة الالكترونية. إن لعبد المطلب إبلاً يرعاها وتعنيه أكثر من أبرهة الأشرم وجيشه الهرمرم . إن حال دولتنا الرشيدة حال فيروسٍ متفشي لا يتوقف عن الافساد والتطاول على الضعفاء فسبحان من خلق الأزواج كلها وبث منهما رجالاً كثيرا ونساءا , رجالاً تفرخهم حكوماتنا بأنظمتها الضريبية وتوشحهم بالفساد وتعلي قبضتهم الحديدية . إن الذي جعل سيد قومه لا يلقي بالاً لبيته المقدس ويطلب حماية إبله هو قداسة الملكية الخاصة وحرمة ممتلكاته وبيته وماله أما أن يصلك عبر رسالة الكترونية أو هاتفية ابلاغ بالحجز على أملاكك العامة والخاصة عبر موظف أرامكس الذي يقرأ لك رسالتك بالهاتف بسبب مبلغ من المال قدره مائتان وثمانية عشر دينارا استحقاقاً للضمان الاجتماعي فهذا والله هو الكورونا الخبيثة بعينها وبطش لا يطيقه حرّ. اسم ٌ على غير مسمى تسرق مال البسطاء باسم القانون بدون رحمة ولا هوادة , من أطلق يدهم على صاحب بقالة أو مطعم ليبتز ما بقي له من تعب النهار وليتهم يعلمون ماالمنقول وغير المنقول . عجبت لمن لا يجد قوته كيف لا يشهر سيفه في وجوههم . إن حكومتنا الرشيدة وأخواتها تضع يدها في جيوبنا بلا وجل كزوجة غافلت زوجها ليلا فاختلسته ظناً منها أن قميص نومها العاري شفيعها وما علمت أن غض بصره زهداً بها وبترهلاتها .إن مال الناس حق ووقف لهم ولا يجوز اغتصابه بالتهديد والقانون هل تنتظر دولتنا هاش تاج لن أدفع للضمان الاجتماعي بسبب سياساتها ومحسوبياتها وتغولها.إن أحوال التجار والباعة يرقق قلب الحجر , نعم لتقاسم الارزاق ومجتمع التراحم فنعمت قرية قسمت فصعتها بين غنيها وفقيرها أما أن يغنى موظفوهم على حساب قوت عيالنا وعمرنا المتعب فلا .إن المواطن المثالي أصبح يقدم رجلا ويؤخر أخرى يخاف رجل المرور الذي يهدده بدفتر أوراق يقطر بالظلم يفكر ألف مرة قبل أن يركن سيارته كلص الليل , هل تريد حكومتنا أن تتشفى بكبريائنا الضائع أما طوابير دعم الخبز الالكتروني بدل أن تزهو بنا في أعيادنا الوطنية رافعين هاماتنا لراية العز والكرامة .إن كبسة زر من رجل الشرطة في سيارته مدققاً رقمك الوطني كفيلة أن تنهي مسيرة كرامتك مقابل خمسين دينار تخلفت عن دفعها نفقة لزوجتك السابقة دون أن يسمح لك من أن تبدل ربطة عنقك كسراً لهيبتك .كورونا الصين أرحم من كورونا وطني .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى