حديث سواليف الرمضاني26 : وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ؟!(2)

ولكن لماذا العفو ؟ لأن بالعفو تتسع دائرة المودة والمحبة والأخوة فيصبح المجتمع كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا وقد فهّمنا الرسول – صلى الله عليه وسلم – بأنّ العفو أن تعطي من حرمك وتصل من قطعك وتعفو عمن ظلمك . تعالوا بنا إلى المصطفى – صلى الله عليه وسلم – أسوتنا وقدوتنا ومثلنا الأعلى الذي آذاه المشركون أيما إيذاء فوطئوا عنقه الشريف وهو ساجد لله رب العالمين عند الكعبة ووضعوا على ظهره – قذر كرشة بعير- وهو قائم يصلي ورموه بالحجارة حتى أدموا جسده الشريف ومنعوه وقومه وأصحابه الطعام ثلاث سنين يقول سيدنا سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – : ( ما لنا طعام إلا ورق الخُبلة – نوع من الشجر – وهذا السّمر – شجر أيضا – حتى إن كان احدنا ليضع كما تضع الشاة من البعر ماله خلْط – أي يابس ) تعالوا بنا لنرى نبينا الكريم ومعلمنا الأعظم – صلى الله عليه وسلم – وهو يدخل مكة فاتحا , وقد ألقى أهلها السلاح ومدّوا إليه أعناقهم ليحكم فيها بما يرى ،عندها قال قولته الخالدة : (يا مَعشَرَ قُرَيش ما ترونَ أنِّي فاعلٌ بكم ؟ قالوا : أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ قال : اذهبُوا فأنتمْ الطلقاءُ ) . كم حقنت هذه الكلمة من دماء وكم وصلت من أرحام وبعدها دخل الناس أفواجا في دين الله , لما رأوه من سماحة الإسلام وصدق الله العظيم القائل : (لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ )159آل عمران العفو يخلق من العدو صديقا حميما ،هذا الذي جعل أبو سفيان وهو من هو يقول : ( بأبِي أنتَ وأمّي يا رَسولَ اللهِ ما أرْحمَكَ , ومَا أحْلَمَكَ , ومَا أحكَمَكَ , ومَا أوصَلَكَ , ومَا أكرَمَكَ ) وقد تخلّق الصحابة الكرام بأخلاق نبيهم – صلى الله عليه وسلم – في العفو والصفح . * فهذا الصدّيق – رضي الله عنه – يعفو عمن اشاع مقالة السوء – خبر الإفك – على أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – وعمن هز أركان المجتمع الإسلامي هزا , فآلمه ذلك , فحلف ابو بكر الصديق – رضي الله عنه – ان لا ينفق على مِسطح شيئا ابدا ولا ينفعه بنفع ابدا وكان ابو بكر الصديق – رضي الله عنه – ينفق عليه لقرابته وحاجته فحلف اليمين التي حلفها فأنزل الله عز وجل قوله : ( وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) . * سمع الامام احمد بن حنبل –رحمه الله – وهو في سكرات الموت رجلا يصيح على باب داره فإذا به رجل مسن يبكي بكاء الثكلى على وحيدها ويقول للإمام احمد لقد كنت ممن قام بتعذيبك في محنة القران في عهد المعتصم واني أتيتك راجيا العفو والسماح . فإذا بالإمام احمد يدعو الله أن يغفر لهذا الرجل الذي آذاه قبل سنين طوال ! سأله ابنه : كيف تستغفر الله له وقد عذّبك اشدّ العذاب ؟! فقال الإمام احمد : ماذا ينفعك أن يُعذَّب أخوك بسببك ؟! ألا تعلم ما معنى قول الله تعالى : ( فَمَنْ عَفَا وَأصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ ) ألا تعلم انه إذا كانت القيامة وجثت الأمم بين يدي الله رب العالمين نُودوا : لِيَقُمْ مَنْ كانَ أجْرُهُ علَى اللهِ . فلا يَقومُ إلّا مَنْ عَفَا فِي الدُّنيا وإِنّي لأرجُو أنْ أكونَ واحدًا مِنْهمْ . قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”إِذَا وَقَفَ الْعِبَادُ لِلْحِسَابِ يُنَادِي مُنَادٍ: لِيَقُمْ مَنْ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فَلْيَدْخُلِ الْجَنَّةَ، ثُمَّ نَادَى الثَّانِيةَ: لِيَقُمْ مَنْ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ”، قَالُوا: وَمَنْ ذَا الَّذِي أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ؟ قَالَ:”الْعَافُونَ عَنِ النَّاسِ، فَقَامَ كَذَا وَكَذَا أَلْفًا، فَدَخَلُوا الْجَنَّةَ بِغَيرِ حِسَابٍ”.

ارشيف 2015

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى