طرح العطاءات والحفاظ على أموال الدولة / موسى العدوان

طرح العطاءات والحفاظ على أموال الدولة

يقول ميكافبلي : ” أن الناس يغفرون لمن قتل آبائهم، ولكنهم لا يغفرون لمن أخذ أموالهم “.
وفي هذا المجال يقول الوزير الدكتور غازي القصيبي عندما كان وزيرا للصناعة والكهرباء في الحكومة السعودية خلال السبعينات من القرن الماضي ما يلي وأقتبس :
” لابد لي من القول أنني كنت دوما من المؤمنين، أن من أهم مسؤوليات القائد الإداري أن يتأكد أن كل قرش ينفق في وجهه الصحيح، وكل ريال يمكن توفيره يجب أن يُوفر. يجب أن يصب الإنفاق في جيوب المواطنين المحتاجين لا في جيوب الشركات الأجنبية. عندما بدأت عهدي في وزيرا للصناعة والكهرباء، جاءت الشركة الاستشارية التي كانت تخطط للمنطقة الصناعية الجديدة في الرياض، تعرض علي ما أنجزته من رسومات، فلم أصدق عيني.

كان المبنى المخصص لإدارة المنطقة عمارة هائلة معقدة يحتاج بناءها إلى عشرات الملايين. قلت للمسئولين في الشركة : أعتقد أنكم أخطأتم الطريق، أعتقد أنكم كنتم تريدون الذهاب إلى شاه جيهان لتطلعوه على مخطط تاج محل. ووسط ذهولهم المتزايد قلت : مزقوا هذه الأوراق كلها، هذا المبنى لن يضم سوى عشرين موظفا، ولا أريد أن تتجاوز كلفته مليوني ريال. فاضطرت الشركة أن تعيد النظر في كل شيء.

تكررت القصة مع مبنى الوزارة : وضعت شركة استشارية تصميما لم يكن بالإمكان أن ينفذ إلا بتكلفة تقترب من بليون ريال لمبنى إداري. تذكرت من زيارتي للصين الوطنية عندما كنت في السكة الحديد، الفندق الرائع الذي سكنت فيه، وعلمت وقتها أنه من بناء شركة مقاولات محلية. اتصلت بسفير الصين الوطنية وطلبت منه مقابلتي، قلت له إني أريد أن تنفذ الشركة ذاتها مبنى الوزارة. ثم طلبت من مسئولي الشركة، وضع تصميم ضمن حدود مالية واضحة. صُمّم المبنى ونُفّذ بتكلفة لم تكد تتجاوز مائة مليون ريال . . . كانت تكلفة المتر المربع الواحد بكل المواصفات العالية تقل عن خمسة آلاف ريال.

في ذلك الوقت كانت المباني الحكومية تنفذ بأضعاف هذا المبلغ. استدعاني الأمير عبد الله بعد الجلسة وسألني : ما القصة ؟ كيف حصلت على هذا العرض المنخفض ؟ قلت له : تفاوضت مباشرة مع شركة من الصين الوطنية، قال : ولماذا لا يفعل بقية المسئولين ذلك ؟ لم يكن بوسعي بطبيعة الحال أن أرد على السؤال “. انتهى الاقتباس.
* * *

تساؤلات : هل يتم طرح العطاءات الحكومية في بلدنا للجميع، واختيار أفضل العروض بنزاهة وشفافية من بين المتقدمين، ودون محاصصة أو علاقة من الباطن مع المسئولين ؟ كثيرا ما نلاحظ عدم تقيد المقاولين بالمواصفات المطلوبة، ولا بوقت التنفيذ، وغالبا ما يتبع الاتفاقية أوامر تغييرية، لزيادة المخصصات المالية للمشروع الذي رسا عليه العطاء. لماذا لا توضع تقديرات تقريبية ( مع احتساب نسبة مئوية للزيادة أو النقص ) لأي مشروع ترغب وزارة الأشغال بطرحه قبل استلام العروض ؟ ومع احترامي للمقاولين المحليين الذين لهم الأولوية في العمل، إلا إذا كانت هناك مبالغة في التقديرات، ففي هذه الحالة لابد من التنافس مع شركات أجنبية، وخاصة في المشاريع الكبرى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى