ظل الظل / مادلين احمد

ظل الظل

في هذا الصباح البارد استيقظت باكراً جداً على غير عادتي الباكرة، الشارع نائم بذهابه وإيابه، محركات السيارات باردة وهجرتها قطط الحي، حتى مكب النفايات كان فارغاً صامداً نظيفاً لا يُشبه القُمامة. بحثت عن نافذة في الطابق العلوي تسرق لي بعض الشمس علّ الدفء يُزيل زرقة أظافري واحتضنت كوبي الدافىء وكتاب ملّ انتظار كسلي. تلك الدقائق الأولى من كل يوم كفيلة بهدوئها أن تجعلني أفكر بكل شيء، بمعنى كل شيء. ماذا لو تزوجني آينشتاين؟ هل كيت ميدلتون سعيدة بحملها الثالث؟ ما الذي يشعر به أوباما الآن؟ ما هو طعم القهوة الشفافة؟ صديق والدي في المهجر هل يرعى أبقاره الآن؟ تُرى كم من الوقت يلزمني للوصول لكازابلانكا مشياً على الأقدام؟ والكثير. الكثير!
كانت الشمس ترسم ظل بخار كوبي على الأرض، ابتسمت لسبب أجهله، حركت كوبي بكل الاتجاهات وأذيال الشمس تتبعه. كتبت اسمي مرة، واسم عزيز على قلبي نفخته لأنشره حولي، لعبت قليلاً أنا وهذا النجم الناري الضخم وبرد كوبي. التفتُ للشمس أخبرها بأن بخار صديقها أصابه البرد وأضحى في معدتي.
البُخار، كان يُمكن للبخار – في حياة أُخرى – أن يكون سحابةً، أو عطراً في قارورة، ولكنه قَرر أن يكون غيمة لكوبي تملك ظلاً على أرضيتي تُلاعب شمسي في ساعاتها الأولى.
ما الذي لم يهجرني بعد؟ دائم الحضور ويملك ظلاً؟
كان باب غرفتي أمامي، حدّقت قليلاً لأرى ظل أي شيء هُناك. رُبما مسمار عُلق عليه شالي، أو صورة أُلصقت على جداري، أو أي شيء يُريدني أن أبحث عنه، ولكني رأيت ظلي صماء بلا ملامح. خريطتي رُسمت هُناك واستلزمني الكثير لأراني بالرغم من أنني أُرى!
كان باستطاعتي أن أُعطي أي ملامح أريدها لوجهي، حركت يدي قليلاً ورقصت بأصابعي وجعلتها أطول، تأملت حدود وجهي من الجانب الأيمن والأيسر، تدربت بأصابعي لأرسم ظل الثعلب أو الأرنب. كان ظلي يُحَدق بي باسماً، يُحبني رُغم أني في الكثير من الأحيان لم أكُن أراه.

صديقي ظلي، بالرُغم من أنك أنا إلا أنك أجمل مني، ملامحك الخفية تَشدُني، وخُطوتك تلازمني أنا وشمسي، لا تخجل من أن تحتضنني أو تربت على كتف قلبي. سأنتظرك مع كل صباح بارد وسأشعل لك شمعة تنتظرك كل مساء، نجم كبير يستقبلك في أول اليوم، وغُرفة مُعتمة دافئة تحتضن نصف ملامحك في كل نهاية لدورة الأرض.
هذا الصباح البارد كغيره من الصباحات، منحني الملامح التي خبأتها الشمس لي في هذه الحياة، أو رُبما في حياة أُخرى، أو رُبما في زمن آخر حين كُنتُ ظلاً للموسيقي التي كان يعزفها آينشتاين على كمانه. يا إلٰهي؛ لماذا لم يتزوجني آينشتاين ؟

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى