تخليص الإبريز في تلخيص باريز

تخليص الإبريز في تلخيص باريز / #يوسف #غيشان

رغم أنه خرج من أكثر حاضرة عربية تقدما في ذلك الزمان غير أنه سجل اندهاشه الشديد، مثل طفل يخرج من رحم أمه للتو، من كل ما كان يراه ويسمعه، مذ وطئت قدمه درج الباخرة الفرنسية (لاترويت) التي أقلّته من ميناء الإسكندرية إلى ميناء مرسيليا، وصولا إلى باريس (باريز، حسب تعبيره).

اتحدث عن الشيخ رفاعة الطهطاوي الذي أرسله محمد علي إلى فرنسا عام 1826 ضمن بعثة علمية ضمت 40 طالبا مصريا لتلقي العلوم الغربية المتنوعة في باريس، وثلاثة شيوخ دين، من أجل إمامة الطلبة في الصلاة، والوعظ والإرشاد. بالمناسبة، كان الطهطاوي ضمن الشيوخ إلى أن حولوه إلى طالب في البعثة العلمية، بأمر من الخديوي.

سجل الطهطاوي رحلته في كتاب (تخليص الابريز في تلخيص باريز)، وقد صدر الكتاب مؤخرا ضمن منشورات وزارة الثقافة الأردنية وكان الكتاب ، في ذلك الزمان، نافذة عربية للدهشة انفتحت على العالم. يقول الطهطاوي في الكتاب( وقد قويت شوكة الإفرنج ببراعتهم وتدبيرهم بل وعدلهم ومعرفتهم بالحروب، وتنوعهم واختراعهم فيها. ولولا أن الإسلام منصور بقدرة الله – سبحانه وتعالى- لكان لاشئ بالنسبة لقوتهم وسوادهم وثرواتهم وبراعتهم وغير ذلك). طبعا، تلاحظون أن لغة شيخنا الأزهري كانت ركيكة، اقصد أننا كنا متخلفين في ذلك الوقت، حتى في مجال اللغة العربية، التي هي مجال فخرنا.

مقالات ذات صلة

لا أنتوي تقديم ملخص لتخليص الإبريز، مع أن ذلك سيكون ممتعا ، لكني أدركت ارتباطا ما بين شيخنا رفاعة الطهطاوي ومسرحية الكاتب الإيرلندي الكبير المرحوم صموئيل بيكت المعروفة (في انتظار غودو). وتتحدث عن رجلين هما فلاديمير واستراغون يجلسان ويثرثران في انتظار شخص اسمه (غودو).

تنتهي المسرحية دون أن يأتي غودو. ومع ان المؤلف قصد في البداية أن يكتب مسرحية فكاهية، إلا أنها انتشرت واشتهرت بعمقها الفلسفي، الذي لم يكن يقصده تماما، والدليل على ذلك أنه ترجمها شخصيا للفرنسية، مع حاشية تحت العنوان تشير الى أنها مسرحية فكاهية.

وهنا يأتي بيت القصيد، إذ أعتقد أننا ما نزال في انتظار عودة رفاعة الطهطاوي، وأن الشعب العربي وحكوماته هما مثل فلاديمير واستراغون، يثرثرون ويتقاتلون ويتصالحون ويتحالفون ويفترقون ويتناسلون ويموتون ويولدون ويموتون ثانية في انتظار غودو…في انتظار الأمل …في انتظار التنوير…. في انتظار النهضة العلمية والأخلاقية.

وما نزال شعوبا وحكومات ننظر بدهشة إلى المنجزات العلمية والإنسانية العالمية، ولا نساهم فيها إلا بالقليل النادر.

بالمناسبة، كم اتمنى لو أقوم بتمثيل دور غودو في المسرحية!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى