طلاسم أمر الدفاع 6.. والحكومة تخلق أزمة جديدة

طلاسم أمر الدفاع 6.. والحكومة تخلق أزمة جديدة
سلامة الدرعاوي

امر الدفاع رقم 6 والخاص بوضع ترتيبات العاملين في المنشآت الخاصة وكيفية دفع مستحقاتهم ستخلق أزمة جديدة في القطاع الخاص الذي يوظف ما يقارب ال1.2 مليون عامل فيه ويستحوذ على اكثر من نصف الناتج المحليّ الإجماليّ للدولة.
الحكومة بأمر الدفاع رمت كرة ضمان رواتب العاملين في القطاع الخاص على شركاتهم وارباب العمل على اختلاف مستوياتهم وقدرتهم في التعاطي الاقتصاديّ مع فايروس كورونا الذي عطل عجلة الإنتاج وشلّ حركة الاقتصاد.
امر الدفاع 6 اعتبر جميع المنشآت في القطاع الخاص بانها مثل البنك العربي والبوتاس وزين وغيرهم من الشركات الكبرى التي تملك ملاءة ماليّة عالية قادرة على التعاطي الإيجابيّ مع العاملين لديهم وتأمينهم بدخولهم بالشكل الاعتياديّ.
في الاردن شركات التعدين ممثلة فقط في البوتاس والبرومين وكيمابكو والجهاز المصرفيّ وشركات الاتصالات وبعض الشركات الصناعيّة الكبرى التي لا يتجاوز عددها أصابع اليدين قادرة على دفع كامل رواتب العاملين لديهم بشكل كامل، في حين ان اكثر من 85 بالمائة من الشركات هي من فئة الشركات الصغيرة والمتوسطة، وهي مثل عمال المياومة تعمل يوما بيوم، وهذه الشركات في ظل الظروف العادية تعاني الأمرين في صرف رواتب العاملين لديها، وغالبيتها تؤخر الرواتب، ومعظمها يقسط دفعات الضمان والضريبة عليها، فكيف الحال وهي متوقفة عن العمل او تعمل جزئياً، فكيف تستطيع ان تدفع رواتب العاملين لديها او جزء منه على ان لا يقل عن الحد الأدنى للأجور وهو220 دينار ؟.
المشكلة في القطاع الخاص ليست في تخفيض الرواتب بنسبة 30 او 50 بالمائة، إنما باستدامة العمل او توقفه، والحكومة يبدوا من خلال قراراتها الاخيرة لا تعي جيداً حقيقة المشكلة الاقتصاديّة التي يعاني منها القطاع الخاص، فهي تتعامل مع الأزمة الراهنة بان هناك تراجع في الاقتصاد مثل باقي الفترات، وهذا امر خطير، هناك أزمة كبرى متمثلة بتوقف الإنتاج والنشاط الاقتصاديّ لقطاعات واسعة مشغلة لمئات الآلاف من القوى العاملة، وهي لا تمتلك القدرة الماليّة في احسن حالتها لدفع الرواتب لأكثر من شهر او شهرين ،ولن تستطيع بعد فترة وجيزة اذا بقيت أعمالها مغلقة ان تدفع ال70 او 50او حتى 10 بالمائة من اي راتب، فهي متوقفة عن العمل او تعمل بالحد الأدنى.
في امر الدفاع الأخير تحدثت الحكومة عن الحماية الاقتصاديّة وان الشركات التي تغلق او تسرح أعمالها لن تستفيد منها، والكل يتساءل: ما هي الحماية الاقتصاديّة التي وفرتها الحكومة للقطاع الخاص حتى تغريهم بها او تحرمهم منها؟، لم يسمع احد عن أية حوافز حكوميّة خاصة بهذا الشأن.
قد يقول البعض ان الحكومة تقصد باجراءات حماية الاقتصاد حزمة القرارات التي اتخذها كل من الضمان ووزارتي المالية والطاقة بتخفيض اشتراكات الضمان وتأجيل الضرائب وتخفيض تعرفة الكهرباء والمحروقات وغيرها، وهذه امور إيجابيّة، لكن لغاية الان لم يستفيد منها احد من القطاعات الاقتصاديّة، فغالبيتها لا يعمل اساساً.
البعض قد يرى بحوافز البنك المركزيّ الاخيرة، وهي فعلا إجراءات مهمة للقطاعات التي تمتلك فرص التشغيل والعودة للإنتاج والنشاط الاقتصاديّ، لكن البقية من المنشآت متعطل عن العمل بأمر الدفاع، ولن يستفيد من هذه التسهيلات حتى لو كانت بأسعار فائدة مميزة.
قد يقول قائل لماذا لا تستفيد القطاعات من حزمة تسهيلات البنك المركزيّ الاخيرة بدفع رواتب العاملين لديها؟،وهل يعقل ان تقوم منشأة اقتصاديّة مغلقة ولا تعمل بالحصول على قروض وان كانت ميسرة لدفع اجور العاملين لديها وهم في منازلهم؟، هل الشركات المتوقفة عن العمل بحاجة لمزيد من القروض لدفع الراتب أم لاستئناف عجلة الإنتاج والعمل من جديد؟.
الحكومة ملتزمة برواتب العاملين لديها وهذا امر طبيعي حتي لو انهم جالسون في منازلهم، وهي ملزمة ايضا بتقديم حزمة مالية متكاملة لحماية الاقتصاد الوطنيّ وانقاذ القطاع الخاص الذي هو بالأساس يدفع رواتب العاملين في القطاع العام عن طريق الضرائب والرسوم التي يحوّلها شهريّاً للخزينة، لذلك على الحكومة ان تنظر بعين واحدة لجميع العالمين في القطاعين الذين لا يعملون الان بأمر الدفاع، وتوفر لهم اجور حتى لو اضطرت للاستدانة لذلك فهذا واجبها، بدلاً من من ترمي الكرة في ملعب القطاع الخاص وتخلق أزمة جديدة بين العاملين وشركاتهم الجميع في غنى عنها بالوقت الراهن الذي يتطلب توحيد الجهود لمواجهة الازمة، ولا خيار امام الحكومة لمعالجة المأزق الذي أوقعت نفسها فيه غير ان تقدم دعما مالياً مباشراً كما فعلت كل حكومات العالم ، لا ان تلقي العاملين على شركات هي بالاصل متأثرة.
المشكلة التي بدأت تظهر في الأفق ليست في التصدي لفايروس كورونا، وأنما المشكلة في إدارة الملف الاقتصاديّ الذي واضح ان غالبية الوزراء باستثناء الماليّة غير قادرين على فهم حقيقة العملية الاقتصاديّة والتحديات التي تحيط بالمملكة، وان إجراءاتهم اذا استمرت على هذا النحو غير الرشيد فالأزمة القادمة لن تكون في القطاع الخاص لوحده، بل سينقلونها وهم لا يدرون للقطاع العام مع كل اسف.

SalamahDarawi@

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى