سالم محادين
في عالمِ الكتابةِ تفاصيل مُتعددة وحيثياتٌ مختلفةٌ تَستحق مني ( كهاوٍ لها ليس أكثر ) بعض التنويه والحَديث، أو لرُبما هي محاولةٌ لوصفِ رقصةٍ مُتقَنَةٍ تُمارِسها الحُروف بفرحٍ ولذةٍ بينَ السطور، على مَشارفِ _ فَتحةِ أملٍ _ أو بالقُرب من ضَمة شَوق ..
الكتابة فعلُ إرهاقٍ، فعلُ شوقٍ، فعلُ حُزنٍ، فِعلُ خبرةٍ، الكتابةُ فعلٌ مضى يتم التعبير عنه بين الكلمة والأخرى بقصدٍ أو بدون، الكتابةُ فعلٌ مضارعٌ يمارس عبره الفاعل واقعًا مُعاشًا مع رتوشٍ مُتَعَمَدَةٍ تنفي عن الكاتب علاقته بالأحرف المرسومة وتثبتها أيضًا، الكتابةُ فعلُ أمرٍ يُصدِرُ من خلالها الفاعل سَطوتهُ على الوَرق الذي ينتشي بعُنفوان القلم فتشتهي الصفحاتُ مزيدًا من السيطرةِ عليها، وتُنادي بالقَمع أيضًا..
في السياق نفسهِ ومن مُنطَلَقْ أنَ ليسَ كُل ما في البال يُقال!! كانت بعضُ حُروفي تلقى حَتفها في انفجاراتٍ تقوم بِها كتائِبْ العادات والتقاليد _ الجناح العسكري للمجتمع _ الجناحُ الذي يعلن دومًا تبنيه لتلك العمليات مؤكدًا جاهزيتهُ التامة للتصدي لأي انتشارٍ لكلماتي في ميادينِ الرومانسية إلا في حدودٍ مُعينةٍ وضمن ترتيباتٍ يُشرف عليها العقل ( الحاكم الإداري للمنطقة )..
في الكتابة تكمن الفكرة تمامًا في قدرة الكاتب على مُخاطبةِ القارئ بأسلوبٍ يمكنه من الاسترسال في النص دون أي انزياحٍ قد يشتت ذهن المتلقي فيفقد زمام السيطرة على المعنى البديع، لذا وجب على الكاتب أثناء رسم لوحته توخي الحذر لإيصال الفكرة مترابطة دون أن يجعل من هذا الترابط شاغلاً يعيقه عن الإبداع وينزع من النص عفويته المحببة، بالمقابل فإن مهمة القارئ ليست سهلة إذ تتمثل في قدرته على استساغة الحرف والغوص في ترهاته وإعادة مركبة الكلمات إلى المسار الممكن استيعابه حين يضطر الكاتب للخروج عن الفكرة في لحظة، ذلك الخروج الذي قد يجعل القارئ يتوه لبُرهةٍ قصيرةٍ قبل أن يتمكن بإدراكهِ العميق من دمج الانحراف مع ما قبله ليمنح النص تماسُكًا لذيذًا يجعل منه بحق نصًا خفيفَ الظل!
أتساءلُ أحيانًا: كَيفَ لي انتشال نفسي من قاعِ الحَرف حين يصل بي جمال الكتابةِ إلى القمة؟ إذ لطالما أيقنتُ أنني بحاجةٍ إلى سُمُوٍ فكريٍ يرتقي بي بعيداً عن اضطرابٍ ذهنيٍ أثقلَ كاهلي! ولطالما أيضًا أحسستُ باشتياقي للنور الساطع أحيانًا في بعض الجهل فليس جنونًا يقينَنا القائل بأنَّ ( المستريح اللي من العقل خالي )، اعتنيت كثيرًا بكلماتي فأسرني ضجيجها الباهت و ربما كانَ يَجدُر بي ألا أحَمِّل هِوايتي ما لا تَحتَملْ، أما الآن وبعدَ الهُطول الغزير للشيب وَجبَ عليَّ العودة إلى رُشدي، لعلِّي بقدومِ خريف الصمت أمنحُ اهتماماتي الأخرى بعضًا مِن وقتي والكثير من أمسياتي التي كنتُ أقضيها معتقدًا أنني قابَ قوسينِ أو أدنى من ملامسةِ حُلمٍ مُشِرقْ أظنُ الآن مُتيقنًا أنهُ قد فرَّ بعيدًا : إلى غيرِ رَجعةْ..
الكتابة عالمٌ جميلٌ رائعٌ وتداعياتٌ منعشة فألف مرحى وتحية لمن يمنحون هذا الترف حقهُ ويشدون على أيدي المبدعين وفكرهم وُصولًا إلى أقصى ما يمكنهم البوح بِهِ من ألق، ثم وفي الختام أعترفُ أنني في عديد المرات كنت أهمسُ في أذن الكتابة قائلًا لها : نَكتَمِلُ معاً عبر جماليات اللغة : جَمعُ مؤنثٍ أنتِ وأنا سالم!