طفح الكيل من ماذا ؟

طفح الكيل من ماذا ؟
خالد عياصرة

لست بصدد الاعتراض على فعالية “#طالعات_بالاردن #طفح_الكيل #الاردن “ للمطالبة بحقوق بعض النساء، تعبر حقوقاً في بلاد اخرى، حقوق تتناسب مع عادات وتقاليد تلك البلاد، دون أن تنقلب عليها.

الفعالية النسوية حق وحقيقية، لكن طريقة إعلانها، والعبارات والشعارات التي تم اعتمادها مثلت إساءة للفعالية، فمن غير المعقول ان تخاطب الدولة الاردنية وفق الثقافة اللبنانية في الشعارات، هذا يسمى تقليداً، ومن غير الممكن أن تطالب بحقوق النساء بالاعتماد على النموذج السويسري أو الأميركي مثلاً. لفعالية لم تخرج من الثوب “ الفزعوي “ الذي يميز تحركات المجتمع الاردني و مؤسساته المدنية!

في الحقيقة المجتمع الأردني الذي يعتقد البعض أنه يقف ضد مطالب المراة، هو دعم لها، لكن المحددات السياسية تحول دون تحقيق الكثير من المطالب المعلنة.

اضافة لذلك، النساء اللواتي خرجن دعماً للسيدة فاطمة العكايك – الله يشفيها – مع أن الأصل في النظرة الحيادية بشكل مطلق، فالزوجة كما الزوج كما الأطفال ضحايا تقصير الدولة وغياب برامجها العلاجية في المناطق الأقل حظاً والأكثر فقراً.

كم صحفي واعلامي، زار بيت الضحية، القرية، وعايش واطلع على يوميات الناس هناك ؟

جميعنا تعاطفنا مع السيدة فاطمة، وغضبنا من فعل زوجها، ونطالب بعقابه، لكن ماذا فعلت الدولة عدا الصمت المطبق وكان الامر لا يعنيها ؟

ذات زمن، عملت في مشيرفة قرية فاطمة العكليك، أغلب السكان يعملون في وظائف حكومية، بعضهم يمتلك حلالاً، ومنهم من يعمل في الزراعة، والاغلب من ذوي الدخل المحدود.

فقر حقيقي يحيط بالقرية، حالها حال عشرات القرى الأردنية، ثمة فكرة مازالت ذات فعالية في القرى تتمثل بشخصية “ الشيخ “ المسيطر على الآخرين، تماماً مثلما كانت فكرة “ الآغا “ المتغطرس الاقتصادي المسيطر على القرى فيما مضى، إن رضي الشيخ أو الآغا “ على البعض فتحت الأبواب، وإن غضب أغلقت في وجوههم الأبواب.

المشهد تراه أيام الانتخابات البلدية والنيابية، ربما لأن “ الشيخ الإقطاعي “ المتخم بالمال والسلطة، على علاقة مباشرة بالدولة، و قادر على تمهيد الطريق للمواطنين الذين يسيرون وفق رغباته، المحصورة في الإبقاء على سلطته وسطوته وكرسيه النيابي او المتصل بالدولة وأجهزتها.

المعنى هنا، أن الأصل قبل المطالبة بمنح النساء الحقوق، الواجب منح الرجال تلك الحقوق التي سلبت منهم نتيجة الفقر الذي يسيطر على القرية، واهلها. فاطمة العكاليك قد تكون حالة واحدة من مئات أو آلاف الحالات التي تحتضنها بيوتات الاردنيين الفقراء !

كان من باب أولى مناقشة الأسباب التي تمنع الدولة من الوصول إلى تلك القرى والوقوف على حاجات الناس مباشرة، دون الاعتماد على شيوخ المنطقة وكبارها.

هل يستطيع رئيس الوزراء الإعلان عن عدد الأسر الفقيرة في قرية مشيرفة مثلاً، هل يستطيع محافظ جرش اظهار مطالب الناس الحقيقة، وهل يستطيع مدير التربية تقييم طلاب القرية وقدرتهم على القراءة والكتابة ؟

فيما مضى كنتُ هناك، المشهد لم يختلف، بل ازداد سواداً، في يوم من الايام دخلت الصف الاول الثانوي بدل زميل لي اضطر للمغادرة، لا أذكر الدرس الذي توقفت عنده، لكني طرحت سؤالاً على الطلبة بخصوص العاصمة عمان ومن زارها – هذا الحديث كان في أواسط عام 2009 – رفع 3 طلاب اياديهم، فيما صمت الباقون، سألت أحد الطلاب، اين ذهبت في زيارتك الى عمان ؟ كانت الإجابة إلى المدينة الطبية، المدينةُ الطبية في مخيلة طالب في الاول الثانوي عمره يقترب من 18 عاماً، تمثل عمان !

اضافة لهذا، هل تحركت الحكومة باتجاه ارسال الكوادر للمنطقة للوقوف على حقيقة الأوضاع المأساوية التي تعاني منها المنطقة ؟ اكاد اشك في ذلك !

ثمة أولويات كبرى تسبق الفعاليات النسوية يتوجب التركيز عليها والمطالبة بها، أما وقد انطلقت الفعاليات، يا حبذا أن تكون أكثر وعياً في طروحاتها، وشعاراتها ، بحيث تكون قادرة على اجتذاب الشعب لدعمهم لا تنفيره !

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى