ضَمان النوّاب.. التِفاف على التقاعد / سلامة الدرعاوي

ضَمان النوّاب.. التِفاف على التقاعد

الكُلّ يَتَذكر أنه في عام 2011 كان قد أقرّ مجلس النوّاب مَشروع قانون التقاعد المدنيّ الذي منحهم حق التقاعد لعضويتهم في المجلس، الأمر الذي أثارَ سخطاً في الشّارع على اِعتبار أنه مَكسَب مادّيّ للنوّاب غير شرعيّ من قبل أعضاء السلطة التشريعيّة، حينها تدخل الملك شخصيّاً ووجّه الحُكومة في ذلك الوقت للتصدي لهذا التعديل الخطير على قانون التقاعد وإيقاف أيّة امتيازات تقاعديّة لأعضاء مجلس الأمة، وفعلا تم اِحالة القضية إلى المحكة الدستوريّة التي أقرت قطعاً بعدم جواز حصول النائب على راتب تقاعديّ، وطوي الملف بعد ذلك طيّ النسيان.
النوّاب اليوم وفِي تعديل لم يعلن عنه يلتفون على قرار المحكمة الدستوريّة من خلال إقرارهم لتعديل يمنحهم امتيازا شخصيّاً كونهم نوّاباً في قانون الضمان الاجتماعيّ وذلك من خلال الاشتراك الاختياريّ بقانون الضمان الاجتماعيّ الذي يُتيح لهم الشمول بضمان الشيخوخة والعجز والوفاة، ودفع المجلس عنهم للاشتراكات على الرغم من عدم وجود صفة العامل لوظيفتهم.
الأصل أن يكون المشترك في الضمان موظفاً في مؤسسة أو شركة أو عاملاً خاضع للقوانين المعنية بالعمل، بحيث تكون تلك المؤسسة هي من يدفع عنه النسبة المقررة عليها في الاشتراك وهي 14,25 بالمئة من راتبه الإجماليّ، في حين يتحمّل المُشترك 7,5 بالمئة أو أن يتحمّل المُشترك كامل اشتراكه اذا كان الاشتراك اختياريّاً أو شريكا في المؤسسة، أو ممن شملهم القانون في القطاع العام المدنيّ أو العسكريّ حسب النسب المعمول بها.
تعديلات النوّاب على قانون الضَمان ستجعل قيمة اشتراكاتهم في حال تم إقرارها من موازنة مجلس الأمة التي تعتبر الإيرادات التي يتم تحصيلها من المواطنين والقطاع الخاص أبرز مكوناتها، وكأن المُشرّع أصبح يستقوي على أموال الشعب والقطاع الخاص بحكم المنصب الذي للأسف تم توظيفه في هذه المسألة باتجاه خاطئ، وكأنه توظيف سلبيّ للسلطة.
ما قام به النوّاب في قانون الضَمان بهذا الشكل يجعلهم في دائرة الاتهام الشعبيّ بأنهم يسعون لتحقيق مكاسب شخصيّة في نهاية عمر المجلس النيابيّ الذي لم يتبق من عمره سوى دورة واحد وأخيرة، فهو شكل من أشكال الرفض المُبطن لقرار المحكمة الدستوريّة الرافضة رفضاً مُطلقاً لمنحهم الراتب التقاعديّ، كون أن ما يتقاضاه النائب مكافأة وليس راتبا يخضع للضمان، وهناك حالات قضائيّة كثيرة أصدرت فيها المحاكم الأردنيّة قرارات بعدم جواز إخضاع الراتب التقاعديّ لاقتطاعات الضمان.
نقطة سلبيّة أخرى على قرار النوّاب بإلحاقهم بالضَمان انهم يناقشون قانون في غاية من الأهمية وهو قانون الضَمان الذي فيه مُستقبل الأجيال، وفِيه من التحدّيات الكبيرة التي يتطلب إصلاحها، وهُناك الكثير من التعديلات التي فيها بشكل غير مباشر ضغوطات على المواطنين من حيث سنوات الاشتراك والتقاعد المُبكّر وشروطه ورفع سنّه.
ويقرّ مجلس النوّاب لنفسه امتيازات ماليّة وهو يعلم جيدا أن القانون لا يسعفه أبداً من جهة وأن الشّارع يسخطها من جهة أخرى، إضافة إلى أن الاتجاه العام في مناقشة القانون ومبرراته هي ماليّة باتجاه ضبطها وترشيدها، وهذا يُخالف قرار النوّاب بالامتياز الجديد الذي يُكّلف الخزينة والضَمان أعباء ماليّة كبيرة وغير مدروسة أو مُقدّرة في الموازنة العامة التي تعاني أصلا من عجز ماليّ مُزمن ونُمُوّ غير رشيد في النفقات العامة.
للأسف فإن التعديل الذي أضافه النوّاب يُتيح لهم الاشتراك بالضَمان حتى لو لم يكونوا عُمالاً أو أصحاب عَمَل، وعلى أن تدفع عنهم مؤسستهم (مجلس الأمة) اشتراكاتهم بالنسب المُحددة للعاملين ولأصحاب العمل، رغم أن الأصل أن يشتركوا كأي مواطن آخر اشتراكاً اختياريّاً كونهم في عملهم في مجلس النوّاب والأعيان لا يعتبرون عاملين أو موظفين، وأن المكافأة التي يتقاضونها لا تضفي عليهم صفة العامل أو الموظف، وبالتالي فمن المفترض أن يتحملوا بأنفسهم كامل الاشتراكات، وفي ذلك مُخالفة صريحة لمبادئ الشمول بالضمان وتمييزاً صارخاً بينهم وباقي المواطنين.
يُضاف إلى ذلك أنه وعلى الرغم من شمولهم بالضمان كمشتركين عاديين، إلا أن التعديل أوجب معاملتهم معاملة المشترك الاختياريّ عند تسوية حقوقهم في الضمان، سواء في استحقاق راتب الشيخوخة أو الاعتلال أو التقاعد المُبكّر، أو في الحصول على تعويض الدفعة الواحدة، وفي ذلك تناقض واضح.
واضح أن مجلس الأمة بشقيه النوّاب والأعيان سيكون في مواجه هذا التعديل الذي منحهما امتيازا ماليّاً جديداً مع الشّارع والرأي العام، فهل سيكون هناك عُقلاء لإعادة الأمور إلى نصابها وتصويب الوضع إلى ما كان عليه سابقاً؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى