ربيعُـهــا المُـســافر

[review]

جلست متكورةً على الكنَبة

حيثُ احتضنتْ أرجُلها وأسلمت رأسها براحةٍ على ركبتيها

وهي تنظرُ إلى ركنٍ من الغرفةِ بتمعُّن، دون أن ترى شيئاً من تفاصيله.

مقالات ذات صلة

كانت الساعة تشيرللرابعة مساءً

استوقفَها صوت الهاتف، ردت مستهلةً حديثها بنحنحةٍ خفيفة

لتزيل أثر صمتٍ طويلٍ من جوفها ..

تفضل السلام عليكم (قالت بهدوء)

انتظرت أن يرد أحدٌ على الجهة المقابلة

لكنها لم تسمع سوى صوتٍ ضئيلٍ يشبه صوت أنفاس طفلٍ

فرغ من صعود درجٍ لتوِّه .. !

أنصتت قليلاً ثم أنهت ذلك بأن أعادت السمّاعة، ورجعت مكانها.

…….

في الخارج كان نيسانُ يستأذن آذار ليضع متاعه

ويبدأ يومه الأول على الأرض لهذا العام ..

وفي قلبها يصادفُ .. أوَّلُ ربيعٍ بدونه .. إنه عامها الأول بعيداً عنه

كانت آخر مرةٍ التقته فيها .. عندما حضر لبيت والدها

وأحضر لها ورقة صادرةً من المحكمة الشرعية مَفــَـادُهـــــا

أنها أصبحت حرّةً ومنفصلةً عنه .. شرعاً وقانوناً

وبعدها لم تره البتّة.

…….

رائحة الياسمين في الخارج تسللت خلسةً ودخلت لتنسج

شباكاً من العطر في محيط البيت

أسندت رأسها وعبّت من الهواء ما أستطاعت وأدخلته لرئتيها مستنشقةً ذلك العبير.

غصّت سماءات قلبها بسُحُب الماضي

فأمطرت دموعاً فيّاضة انسابت بهدوءٍ على عرض وجهها

وهمست في نفسها

..

( لقد كان يعشق الياسمين )

..

تذكرت كيف كانت تعمّر مائدة الإفطار بباقةٍ مكتظة من الياسمين تبقيه منتشياً طوال الوقت بذلك العبق

تذكرت كيف كانت لا تأكل إلاّ لقيماتٍ قليلة لأنها مشغولةٌ بالنظر لإيماءات وجهه وهو يتحرك عفوياً من مضغ الطعام.

فتبسّمت بخجل ..

……

رنَّ جرس الهاتف ثانيةً

سارعت لكوب ماءٍ على الطاولة .. أخذت رشفةً وتوجهت للرد وبصوتٍ رزين

قالت (تفضل السلام عليكم) ..

لكنها استغربت أن ليس من أحد يتكلم على الجهة الأخرى

وصوت الأنفاس ذاته يتأرجح بصمت .. لم يطل صبرها كثيراً فأنهت الإتصال

…….

قصدت النافذة واستقرت على إطلالةٍ رائعة من ألوانٍ شهيّة يرتديها الجبل المقابل لقريتها الصغيرة

…….

لطالما إصطحبها لذلك الجبل بعيداً عن المنازل

ليصرخ ملء المكان وبكّل حريّة .. quot; أُحبـــــــكِ quot; ..

وترجوه باسمـًة أن يتوقف خوفاً من وجود أحدٍ قريب !

لكنه لم يكن يستمع لكلامها .. ويواصل التصريح بتلك الكلمة

وكأنه مضنىً بكتمانه ولا يبرأ إلاّ بإعلانها

ثم يأخذ بيدها ويجوبان الجبل مستمتعين بطبيعته الساحرة

حتى يُنهكا تماماً ويجلسا سويـّاً على الأرض الشاسعةِ الخضراء

…….

اللعنةُ على كل نتائج التحاليل المخبريّة .. (قالت بصوت مرتفع)

من قال أن إنجابنا لطفل يحتاج أن نترك بعضنا .. !

لطالما حَلُمْتُ بطفلٍ أحمله وأغني له

وأبتاع له سترةً كحلية تناسب لون عينيه وأجلس بقربه حتى ينام

…….

لكني لم أفكر يوماً إلاّ بأن يكون هو والدَه،

لم أتخيل إلاّ أن يكون طفلي طفله وفرحي فرحه وأيامي هي نفسها أيامُه.

ولاحت في خيالها ورقة التحليل التي كانت تحمل فحوى:

quot; الرجل قادر على الإنجاب – المرأة قادرة على الإنجاب

بيولوجياً الأمل ضئيل جداً بحدوث حمل في حالة إرتباطهما،

كيميائيّاً هما غير متوافقينquot;

قاتلها الله تلك الورقة .. (صرخت بقهر)

داهمتها عساكر الدموع ثانيةً فعصفت بأحاسيسها المبعثرة وركنت

إلى أرضيّة الغرفة تبكي من جديد

…….

كم سألتْهُ أن يبقيا معاً .. كم قالت له .. إن الله سيُهديهما من زينة الحياة بنوناً كُثُر

أليس هو المعطي القدير .. !

لكنه أبى إلاّ أن يبتعد حتى لا يظلمها ويظلم نفسه

وليحفظ حقها في أن تكون أماً كما لم يخفي توقه الدائم للأبوَّة

ها هو الهاتف يعاود الرنين

رفعت رأسها متنبِّهةً للصوت القادم ..

لكنها لم تحمل أي رغبةً في أن تتحرك سنتيمتراً واحداً

فأنطلق جرسه يتردد في أرجاء البيت حتى انتهى

وما ان سَكَن حتى عاد مرةً أخرى

وبقي هكذا حتى إستجمعت قواها ونهضت

غسلت وجهها بماءٍ بارد عدة مرات ثم اتجهت إليه

لكنه توقف قبل وصولها بلحظة، كأنه يرسم لوناً من السخرية

فاسترخت على الكنبة المجاورة وبدأ نبضها بالهدوء تدريجياً ..

لولا أن ذلك الجرس أرعبها بلحظةِ إتِّساقها بصوته المدوِّ مجدداً

نظرت إليه مليّاً قبل أن ترد

ثم رفعت السماعة ولم تأتي بأي حرف.

لم تستغرب أن ليس من أحد على الجهة المقابلة

كما أن الصوت عينه يتردد عبر الأسلاك وكأنه يعزف

مقطوعةً مألوفةً لديها

مرَّت عدة ثواني وهي تلصق الجهاز بأذنها

دون أي جواب من الطرفين

وبلا تفكير سحبت سلك الهاتف من المزوِّد الكهربائي

ومضت .. !

…….

بدا حفيف الغروب قارساً .. فأغلقت النافذة وأسدلت الستائر

توضأت ولبست ثياب الصلاة البيضاء المشرقة

بينما راح صوت الأذان يصدحُ مُعلناً وقت الغروب

إتخذت ركناً من الحجرة .. كبّرت وبدأت تصلّي

وفي سجودها دعت الله أن يرد لعمرها ربيعَهُ المُسافر

سلّمت عن اليمين وعن الشمال

وكانت هناك براعم زهرٍ صغيرة تنبت على أعتاب روحها

فشعرت براحةٍ غامضة

أحدهم يطرق الباب .. !

(من يا ترى .. ؟!) قالت مستغربة

أمسكت بالمقبض .. فتحت مدخل البيت

وإذا به يقف أمامها .. ويقول:

لقد إتصلت عدت مرات لكني لم أستطع الكلام .. !

فقررت أن المجيء أفضل ..

وصَمَتْ .. !!!

……

تفضل .. (قالت متلعثمة)

لا لا ..

لا أريد الدخول فقط وددتُ القدوم لاُعلمك

لقد

جئت

لأقــــول

لكِ ……….

أن كل ياسمين الشرفة قد قضى بعد رحيلك

أرجوكِ عودي ليزهر من جديد

في السنة التالية وفي نيسان بالتحديد

كانا يجلسان على الجبل المقابل لقريتها

وفي حِجرِها يغفو طفلٌ له سمرةُ والده وعيون أمه

ويرتدي سترةً كحليّة.

.

.

.

Normal
0

MicrosoftInternetExplorer4

/* Style Definitions */
table.MsoNormalTable
{mso-style-name:”Table Normal”;
mso-tstyle-rowband-size:0;
mso-tstyle-colband-size:0;
mso-style-noshow:yes;
mso-style-parent:””;
mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt;
mso-para-margin:0in;
mso-para-margin-bottom:.0001pt;
mso-pagination:widow-orphan;
font-size:10.0pt;
font-family:”Times New Roman”;}

بسم الله الرحمن الرحيم

quot; قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً (*)

قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاًquot;(1)

صدق الله العظيم

وكذلك ان لله مواعيداً مع كل من طرقوا أبوابه …….

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

Normal
0

MicrosoftInternetExplorer4

/* Style Definitions */
table.MsoNormalTable
{mso-style-name:”Table Normal”;
mso-tstyle-rowband-size:0;
mso-tstyle-colband-size:0;
mso-style-noshow:yes;
mso-style-parent:””;
mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt;
mso-para-margin:0in;
mso-para-margin-bottom:.0001pt;
mso-pagination:widow-orphan;
font-size:10.0pt;
font-family:”Times New Roman”;}

(1) سورة مريم الآية الثامنة والتاسعة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى